اغرب القوانين وأشكال العقاب القديمة للحيوانات
منذ وجوده على الأرض، احتاج الإنسان إلى منظومة من القيم والأطر والقوانين لتنظيم حياته وأشكال علاقاته، وبعد مروره بمرحلة من الحياة البدائية والتخبط والصراع ذى الصيغة الحيوانية مع بنى جنسه، أصاب حظًّا من التوتر الاجتماعى والمعرفى، وتمكّن من صياغة مجتمع متماسك ومنظومة من القيم والعادات والقوانين وأشكال العقاب، التى نظّمت العلاقة بين البشر فى العادات اليومية والمعاملات والمشكلات التى تطرأ بينهم، ولكن الأمر لم يخلُ من مفارقات وغرائب، ومنها ما اعتادته مجتمعات عديدة بشأن محاسبة الحيوان وعقابه، وكما ذكرت “موسوعة غرائب المعتقدات والعادات”، للكاتب محمد كامل عبد الصمد، فقد كان قدماء اليونانيين مثلاً يُحرصون على معاقبة الحيوانات والجمادات التى تتسبب فى هلاك أى إنسان، وقد أنشأوا محكمة خاصة بهذا الأمر، كان مقرها فى مدينة “أثينا” التاريخية، وكانت تُسمّى “البريتانيون”.
الحكم على الحيوان بالإعدامفى مجتمع آثينا القديم، وضمن غرائب عقاب الحيوان والجماد، كانت تشهد هذه المحكمة الخاصة عقاب الجماد والحكم عليه بالتحطيم، بينما يُحكم على الحيوان بالإعدام، وذلك إذا تسبب أى منهما فى هلاك إنسان، وقد أقر الفيلسوف اليونانى “أفلاطون” هذا المبدأ فى كتابه المهم “القوانين”، وكان يقول فى حالة قتل حيوان لإنسان، إن لأسرة القتيل الحق فى إقامة دعوى على الحيوان أمام القضاء، وإذا ثبتت الجريمة على الحيوان فإن هذا الأمر يستوجب قتله والقصاص منه وإلقاء جثته خارج حدود البلد، ولكنه كان يستثنى من هذا الحكم، القتل الناشئ عن المبارزة بين الإنسان والحيوان فى مسرح الألعاب العمومية، إذ لا يترتب على هذا الأمر أى إجراء قضائى أو عقابى.
نزول العقوبة على أصحاب الحيوانمن غرائب العادات والاعتقادات القديمة فى هذا السياق، أنه إذ سقط جماد على إنسان وأدى إلى قتله، سواء تم ذلك بفعل إنسان أو كان سقوط الجماد بشكل طبيعى، فإنه يتم اختيار أقرب إنسان من القتيل ليكون قاضيًا، والذى بدوره يحكم على الجماد بالطرد خارج البلاد، ولكن كانت هذه العادة الغريبة تستبعد الأشياء التى تمطرها السماء، كالنيازك والصواعق وما شابه ذلك، وكان الأمر فى بعض الأحيان يشهد إنزال العقوبة على أصحاب الحيوان أو الجماد، وخاصة فى بعض الجرائم الخطيرة تجاه الدولة أو الدين.
مسؤولية الحيوان وعقابه عند اليهودمن الغرائب أيضًا أن اليهود كانوا يقرّون مسؤولية الحيوان عن أفعاله، ويضعون برامج وقوانين لعقابه فى حالتين:
1- إذا نطح ثور رجلاً فقتله، يجب وقتها قتل الثور بالرجم، ويُحرّم أكل لحمه، أما إذا أهمل صاحب الثور رقابته، فيكون جزاؤه الإعدام.
2- إذا اقترب الرجل من بهيمة، يُحكم على كليهما بالقتل، وإن اقتربت امرأة من حيوان وجب قتل المرأة والحيوان.
محاسبة الحيوان عند الفُرسكانت لدى الفُرس – سكان منطقة إيران حاليًا – عادة غريبة فى هذا السياق، فكانوا إذا عض كلب مصاب بداء الكلب خروفًا، أو جرح إنسانا، يقطعون أذنه اليمنى، أما إذا تكرّرت هذه الحادثة مرة أخرى فإنهم يقطعون أذنه اليسرى، وإن حدثت مرة ثالثة تُقطع رجله اليمنى، وفى الرابعة تقطع رجله اليسرى، أما فى المرة الخامسة فيجب استئصال ذنبه “ذيله”، وقد يعاقب صاحبه إذا أهمل مراقبة الكلب مع تكرار مرات الاعتداء.
إعدام التمساح الجانى فى مدغشقرضمن غرائب هذا الأمر أيضًا، كانت هناك عادة غريبة لدى العشائر والقبائل فى مدغشقر، وهى أنه إذا التهم تمساح أحد الأفراد لديهم، فإنهم يوقّعون عقابًا شديدًا على فصيلة التماسيح، فيذهب واحد من عشيرة القتيل إلى شاطئ البحيرة، ويأمر التماسيح بتسليم التمساح الجانى، ثمّ يلقى الشبكة فى الماء وبها قطعة كبيرة من لحم الثور، وبعد ذلك يعود الأفراد إلى منازلهم، ويبدؤون فى إعداد الحبال والأوتار المتينة، وتغزل النساء خيوطًا من الحرير، ثم يتجمّع الناس على شاطئ البحيرة فى اليوم التالى ليخرجوا الشبكة، وحينما يجدون فيها أحد التماسيح، يعتقدون أنه هو التمساح الجانى الذى ارتكب الجرم، وأن أفراد التماسيح هم من سلّموه، فينقض عليه الرجال، ويتلو القاضى قرار الاتهام، مبديًا أسفه لأنه مضطر لعقاب أحد التماسيح، ثم ينطق حكم الإعدام، وهنا يندفع الرجال نحو التمساح ممزقين جسده، ثم تظهر علامات الحزن على الجميع، ويحملون التمساح إلى مثواه الأخير، بعد وضعه فى الخيوط الحريرية التى غزلتها النساء.