إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
السؤال :
هل يجوز المواظبة على السنة بصوره دائمة ، أم يمكن أن نتركها بعض الوقت حتى لا تصبح مثل الفرض ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
المحافظة على ما افترض الله : من واجبات الدين ، وأصول الثبات على صراط الله المستقيم . والمحافظة على السنن الرواتب بصورة خاصة ، وفضائل الأعمال بصورة عامة : من مستحبات الشريعة ، وقد سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : ( أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري (6465) ومسلم (782) .
وروى البخاري (1987) ومسلم (783) عَنْ عَلْقَمَةَ : " قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَصُّ مِنْ الْأَيَّامِ شَيْئًا ؟ قَالَتْ " لَا ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيقُ ؟ " .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلهَا : ( كَانَ عَمَله دِيمَة ) أَيْ يَدُوم عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعهُ " .
وقال الحافظ رحمه الله :
" قَالَ أَهْل اللُّغَة : الدِّيمَةُ مَطَرٌ يَدُومُ أَيَّامًا , ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَسْتَمِرُّ " .
وروى البخاري (6461) ومسلم (741) عن مَسْرُوقٍ قَالَ : " سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : الدَّائِمُ " .
وروى مسلم (746) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) . ومن ذلك يتبين أنه لا حرج في المحافظة على السنن ونوافل العمل الصالح ، بل إن ذلك مستحب مندوب إليه ؛ لأن ذلك كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهديه الكريم ، وهو الذي حض عليه في غير ما حديث ، كما روى الترمذي (414) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) . صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
وروى أبو داود (1269) والترمذي أيضا (428) عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ) . صححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وروى الترمذي (3410) وصححه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلَا وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ : يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا ، قَالَ فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ ) قَالُوا فَكَيْفَ لَا يُحْصِيهَا ؟ قَالَ : ( يَأْتِي أَحَدَكُمْ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ لَا يَفْعَلُ ، وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ ) .
ورواه أبو داود (5065) ولفظه : ( خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ... ) الحديث . صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي :
" ( وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ) أي : على وصف المداومة " .
ثانيا :
وأما عدم كونها مثل الفرض : فهذا واضح ، يكفي فيه أن يعلم العبد ذلك ، وينوي بها النافلة وهو يؤديها ، ويبين للناس ذلك ، إذا كان في مقام البيان ، ولسنا الآن في زمان التشريع حتى يتوهم اختلاط الفرض بالنفل .
ثم إن ذلك لا بد وأن يحصل ، فربما يطرأ على المرء شغل عارض ، أو سفر ، أو مرض ، أو نحو ذلك ؛ فمثل هذا يدخر له العبد ذلك الترك ، ولا ينبغي أن يتعمد هو الترك لأجل ما ذكر .
ثالثا :
ما ورد في السنة : فعله أحيانا ، وتركه أحيانا ، بأصل وضعه التشريعي ؛ فمراعاة المكلف ذلك ، بفعله أحيانا ، وتركه أحيانا : أفضل من الاستدامة عليه ، وذلك كالقراءة أحيانا في الركعتين الأخريين من صلاتي الظهر والعصر زائدا على الفاتحة ، ونحو ذلك .
والله أعلم .