مشاهد الموت: من الصعيد الجوانى البداية: النقل داخل لوارى الأمن المركزى ثم التعرض للسباب والضرب من المجندين القدامى قبل ركوب القطار
الأهالى يبحثون عن أشلاء الضحايا على القضبان الأهالى يبحثون عن أشلاء الضحايا على القضبان
فى أقاصى الصعيد، أعدوا العدة للنزوح إلى العاصمة، فودعوا ذويهم وطلبوا منهم الدعاء لهم صباح الاثنين، ثم سلم مجندو الأمن المركزى، القادمون فى قطار دهشور أنفسهم لمنطقة التجنيد والتعبئة بأسيوط، وظلوا به حتى آخر ضوء للنهار، يفكر كل منهم فى الحياة والعيشة داخل مركز تدريب «مبارك»، سيمكثون به لأكثر من 45 يوماً متواصلة، وهم لا تزيد أعمارهم على 22 عاماً، بعد الساعة الخامسة جرى نقل أكثر من 1700 مجند فى لوارى أمن مركزى إلى مخزن قرب محطة أسيوط للسكة الحديد، حُشروا فى اللوارى حشراً، وحمل كل لورى أكثر من 70 مجنداً، لم يكن فى وسع أحدهم الاعتراض.
والأوناش تساعد فى رفع حطام القطار
أخذ كل من المجندين نصيبه من الضرب والسب على يد المجندين القدامى، قبل وبعد ركوب القطار، ولم يكن هناك مجال للشكوى من سوء المعاملة، بعد أن أعقبها المجندون القدامى بالتهديد والوعيد، المجندون الجدد خائفون يترقبون «كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون»، وجلس كل 3 على مقعدين، داخل عربات القطار الممتلئة بهم عن آخرها.
المشهد الأولفى العربة الأولى يوجد ضابطان و«عساكر قدامى» وفى آخر عربتين يجلس المجندون من محافظة سوهاج. تحرك القطار بعد الساعة السادسة، وتوقف فى محطات كثيرة، لم يركب به أحد غير المجندين، استطاع الباعة الجائلون أن يوقفوه أكثر من مرة بعد سحب «جزرة الهواء» حتى يتمكنوا من النزول، وهو ما أدى إلى تعطل القطار فى المنيا.
الجنود هتفوا فى وجه وزير الداخلية: «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم» وأهالى عزبة مجاورة لموقع الحادث: «يسقط يسقط حكم المرشد»
وحسب شهود العيان من المجندين طلب المهندسون بالمحطة من سائق القطار عدم التحرك، بسبب خلل كبير موجود به، خاصة فى آخر عربة بالقطار، فلم ينفذ طلبهم وسار بسرعة قاصداً طريقه نحو القاهرة حتى منتصف الليل، حيث كتب الله لهذه السرعة الجنونية أن تنتهى، عند مسرح الكارثة، جنوبى الجيزة بين مدينتى الحوامدية والبدرشين، على بعد 3 كيلومترات من مزلقان أم خنان المُراقب إلكترونياً، الذى افتتحه وزير النقل مؤخراً.
المشهد الثانىتمايلت العربة الأخيرة بشدة بسبب السرعة وبعد أن مر القطار من مدينة البدرشين بكيلو واحد وقعت الكارثة. العربة الأخيرة تعلقت واصطدمت بآخر عربة من قطار البضائع المتوقف على الرصيف المجاور، فانفصلت العربة الأخيرة من قطار الركاب بعد أن تحطمت عن آخرها وضاعت جميع ملامحها. انقسمت العربة إلى جزءين متباعدين، إضافة إلى انفصال الجزء الثانى من العربة التالية وتحطمها، وهو ما أدى لوقوع عشرات المصابين والقتلى من المجندين المحشورين بالعربة. لم يشعر سائق القطار بالكارثة ولم يتوقف عن السير إلا بعد مسافة عن مكان الحادث.
المشهد الثالثالساعة تقترب من الثانية عشرة وعشر دقائق، حين انطلقت نداءات الاستغاثة، عبر مسجد بلال بن رباح، ومساجد أخرى قريبة من موقع الحادث، وفى أقل من عشر دقائق كان عدد كبير من المواطنين قد استجابوا إلى النداءات وتوجهوا لموقع الحادث لتقديم المساعدات للضحايا. وفى الساعة الثانية عشرة والنصف وصلت عربات الإسعاف، وبدأت نقل القتلى والمصابين إلى مستشفيات الحوامدية، والبدرشين والمعادى العسكرى.
ويتفقدون أثار الحادث ليلاً
وبعد نصف ساعة من الحادث، أجبر الجنود القدامى فى عربات قطار الترحيلات، المجندين المستجدين على البقاء داخل عربات القطار المنكوب، وألا ينزلوا إلى الشارع معتمدين فى ذلك على وابل من السباب والشتائم والضرب.
المشهد الرابعوبعد ما امتلأ الشارع بالأهالى تشجع الجنود المستجدون للنزول من العربات التى حُبسوا فيها.
بعض الجنود فى العربة المنهارة، ظلوا محشورين بين العجلات، حيث تأخر وصول الونش المخصص لرفع الأثقال، ما اضطر الأهالى إلى طلب أحد اللوادر الموجودة لدى المجلس المحلى لمدينة البدرشين، الذى وصل قرابة الواحدة، ورفع الأثقال الحديدية الناتجة عن الارتطامات بين القطارين، ما ساعد فى انتشال مصابين بإصابات خطيرة وقتلى من تحت الكتل الحديدية المرفوعة.
المشهد الخامسوصل اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، فى تمام الواحدة والنصف، بعد الحادث بأقل من ساعة ونصف، ولم تتجاوز جولته التفقدية أكثر من 10 دقائق، ألقى خلالها نظرات على الجهات المتكاتفة فى انتشال الضحايا والمصابين، وبينما كان الوزير يوجه بعض تعليماته، هتف بعض الجنود المستجدين فى وجهه: «لا إله إلا الله.. يا نموت زيهم.. يا نجيب حقهم»، ما دفع الوزير إلى الانتقال من موقع الحادث، ثم إنهاء الجولة. فيما تجمع المئات من أهالى عزبة «الحلوسى»، الواقعة بين الحوامدية والبدرشين، قرب موقع الكارثة وهتفوا: «الحكومة فين»، و«يسقط يسقط حكم المرشد».
الأهالى: «المجندون اتحبسوا داخل القطار بعد وقوع الحادث.. وتأخر أوناش الرفع تسبب فى زيادة عدد القتلى»
المشهد السادسبعض قيادات البدرشين المحلية بجانب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين دفعت الجنود إلى منطقة تجمعهم أمام مسجد الحلايسة ونصحوهم بركوب الأتوبيسات وعدم التهرب من التجنيد لعدم حبسهم. فيما استمرت أعمال البحث عن الأشلاء حتى الثانية والنصف صباحاً، فى وجود مئات الأهالى والجنود، وقوات الدفاع المدنى والشرطة، ولم تسفر الأعمال عن العثور على جثث جديدة، وبعدها بدأ الجنود فى الاستجابة لاستضافة الأهالى فى المسجد والنادى وبعض البيوت.
المشهد السابعفى الساعة الرابعة إلا الربع، وصلت خمسة أتوبيسات كدفعة أولى من الأتوبيسات التابعة لهيئة النقل العام، جرى الدفع بها إلى موقع الحادث لنقل الجنود المستجدين إلى مركز تدريب «مبارك»، لكن المجندين رفضوا تحرك الأتوبيسات قبل حلول الصباح والتأكد من عدم وجود أى جثث ثانية، ورفضوا الرحيل قبل بدء التحقيقات حتى لا تضيع دماء زملائهم.
فى الرابعة والربع تمكن مسئولو مركز البدرشين من إفساح الطريق أمام أتوبيسات الجنود التى تحركت فى طريقها إلى مركز التدريب، وذلك بعدما هتف الجنود الناجون: «الشهيد حبيب الله، لا إله إلا الله» و«يا نجيب حقهم يا نموت زيهم».
المشهد الثامنومع حلول الخامسة إلا الثلث صباحاً، حضر إلى موقع الحادث المقدم محمد غالب، رئيس مباحث مركز البدرشين، والمستشار أحمد البحراوى، المحامى العام بنيابات الجيزة، لإجراء تحقيقات أولية ميدانية، والحصول على شهادات مبدئية من الجنود المستجدين، وبالفعل جرى تركيز الاهتمام فى التحقيقات التالية على 3 جنود كانت لديهم شهادات ذات أهمية.