الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف النبيين ؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .. وبعد :
الأصل
ـ في كل فطرة ( سليمة ) ـ أن الإنسان يميل لكلِ شيءٍ حَسَنٍ ، ويَنفرُ من
كلِ شيءٍ قَبيحٍ ، وقد تنقلب هذه الموازين ـ عند فساد الفطرة ! ـ ؛ فيُصبح
الإنسانُ ميَّالاً للقبيحِ ، ومُعْرِضَاً عن الحَسَنِ !! ، ويرى القبيحَ
بوجهٍ حَسَنٍ ، ويرى الحَسَنَ بوجهٍ قَبيحٍ !! ، وهذا من أعظم البلايا
والرزايا ، وصدق الشاعر حين قال :
يُقْـــضَى عَلَى المَرْءِ فِيْ أَيَّــــامِ مِحْنَـــتِهِ ؛ فَيَـــرَىْ حَسَـــنَاً مَــا لَيْــسَ بِالحَسَنِ !
وإن من الأمور الحَسَنَةِ ـ في هذه الدنيا ـ : ( الصَّاحِبُ المُسْتَقِيْمُ ) ! ، ومما قــــد نشاهده على ( أغـــلب ! ) النــــاس ـ وبالخصوص فئة ( الشباب ) ـ ، فلا يكادون يسمعون بـ ( صاحب ديانة وإلتزام ) ؛ إلا فروا منه ( فرارهم من الأســـد ) ـ أو أشد !! ـ ، ولو إضطروا للجلوس عنده ؛ فكأن تحتهم العقارب !! ، فسرعان ما يقومون من عنده أو يتمنون أن يقوم من عندهم ؛ ( لعدم الإئتلاف )
! ، ولا يصاحبــــون صنف ( الملتزمين المستقـيمين ) ؛ لأنهــــم يرون ـ
أنفسـهم ـ أنهم أرفع منهم قدراً ، وأعلى منهم شرفاً ، وهم ـ أي : (
الملتزمون المستقيمون ) ـ دونهم بكثيرٍ ! ، بل ولا يتمنون أن يذكروا أمامهم
بشيء حسن ! ، أما مع غيرهم ؛ فإنهم على العكس ـ تماماً ! ـ ؛ فهم لهم
الأصدقاء الحميمين ، والأصحـاب الأوفياء ، ولا يرضَون بمفارقتهم ، بل ولا
يرضَون أن يتكلم عليهم أحد بشيء أ فيهم ـ قبيح ، ولا أن يمـــسهم مساً
خفيفاً ! ـ فضلاً عن إنتقادهم ـ ! ، ويستأنسون بكلامهم ومجالستهم ! ، وما
ذاك ؛ إلا ( لعــدم الإختلاف ) في الأهـواء والمشارب ! ، وهؤلاء الشباب ( الضائعون ) ـ من حيث علموا أو لم يعلموا ـ واقعون في شِـبَاكِ عدوَّينِ خطـيرينِ وهما : ( شياطين الجن والإنس ) ، وإن من الإنس من يَصْدُقُ عليهم وصــف ( شيطـــــانٍ ) ـ بحـقٍ! ـ ؛ قال الله ـ تعالى ـ : ( ... شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ... (112) )( سورة الأنعام / 112 ) ، وأصدقاء السوء هم ( شياطينُ الإنسِ ) ـ بحقٍ ! ـ ، و ( أغلب ) شبابنا ـ اليوم ـ يدافعون عنهم وينافحون ، أما ( الأتقياء ) .. ( الأصفياء ) .. ( الأنقياء
) .. ؛ فلسان حال ( أغلب ) شبابنا ـ اليوم ـ قبل لسان مقالهم ـ يقول لهم :
( سُحقاً سُحقاً .. بُعداً بُعداً .. لا نُريدكم .. لا نُصاحبكم .. لا
نُحبكم ) ! ، وإذا ســـــألت أحـــد هؤلاء ( الضائعين ) : ( أخبرنا ـ بالله عليك ـ من هم أصدقاؤك ؟! ، وفي أي مسجد يصلون ـ إن كانوا يصلون ! ـ
) ؟! ؛ فما عسى هذا ( الضائع ) أن يجيب ؟! ، وإذا أجاب ـ ( معترفاً
وخَجِلاً ) ـ ؛ فسيقـــول : ( أن جُلَّهم ـ ممن يســمعون الأغاني !! ،
ويركضون ـ لاهثين ـ وراء الغواني !! ، ويشربون الشيشة والدخانِ !! ،
ويقلدون اللاعب اليهودي و ـ كذا ـ النصراني !! ، والمغني والمطرب الفلاني
!! ، والممثل الفاجر العلاني !! ، ويقيمون العلاقات ـ المحرمة ـ مع
النسوانِ !! ، لا يشهدون الجمعة ولا الجماعة !! ، وهم من أهل التفريط
والإضاعة !! ، ليس لديهم تُقىً ولا طاعة !! ، وبضاعتهم أزجى البضاعة !! ،
وفعالهم بادية الشناعة !! ، وألفاظهم غاية في البشاعة !! ) ! . وأما ( أهل الديانة والإلتزام والإستقامة ) ، ـ وهم قليلون جـــداً !! ـ ، فهم لا يُعارُ لهم إهتماما كبيراً ـ مـــــن قِبَلِ ( الضائعين ) ـ ، ولا يُؤبَهُ بهم كثيراً ـ من قِبَلِ ( الضائعين ) ـ ، وعلاقة ( الضائعين
) معهم على حد المصلحة ، أو الزمالة في الدراسة ـ ليس إلا ـ ( !! ) ، ولا
يُسْمَعُ لنُصحهم ولا لتذكيرِهم !! ، ولا يُمال لهم ـ ومعهم ـ ( كـــل
الميل ) !! ؛ لأنهـم ـ أي : ( أهل الديانة والإلتزام والإستقامة ) ـ لم
تُغيرهم الأهواء ولا الملذات !! ، ولم يجرفهم سيلُ الشهوات !! ، ولا حضيض
المغريات !! ، و ( الضائعون ) يعتبرونهم ( طيوراً ليسوا على أشكالهم ) ، و ( الطيورُ ـ كما يُقال ـ على أشكالها تقعُ ) ! ، فـ ( الضائعون ) من جنس ، و ( الملتزمون
) من غيره !! ، ولأجل أنهم لا يحبون الناصح البر ؛ لذا فهم يرفضون
الأُنْسَ بهم ـ ومعهم ! ـ ، ويأنسون بمن يُطبِّلون لهم !! ، ويُزمِّرون لهم
!! ، ويُصفِّقون لهم !! .. فهل من صحوة بعد غفوة ؟!! .. ليُعيدوا ـ هؤلاء (
الضائعون ) ـ حساباتهم في هؤلاء الأصحاب ( السَقَطَةِ الغَشَشَةِ ) ، ويُرافقون الأصحاب ( البَرَرَةِ النَصَحَةِ ) ؟!!! .
والأصل في الصاحب والصديق أن يُحَبُّ لله ـ وفي الله ـ لا لأمر آخر ، قال (
صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحُبُّ فِي الله ، وَالْبُغْضُ فِي الله
) ، فهل ( أغلب ) شبابنا ـ اليوم ـ يحبون أصدقاءهم ـ في الله ولله ـ ؛
لأنهم أهل ديانة وأخلاق إسلامية عالية ؟! ، أم ( ..!!.. ) ؟! ، وقال ( صلى
الله عليه وآله وسلم ) : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ـ
وذكر منهم ـ ... ، و رجلان تحابا في الله ، إجتمعا على ذلك و افترقا عليه
، ... ) ، فهل أحب ( أغلب ) شبابنا ـ اليوم ـ أصدقاءهم ـ في الله ولله ـ
؟! ، وجمعهم هذا الحب وفرقهم ؟! ، أم ( ..!!.. ) ؟! ، وقال ( صلى الله عليه
وآله وسلم ) : ( ثلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بهن حلاوة الإيمان : ـ وذكــر
منهن ـ ... ، وأن يحب المرء لا يحبــه إلا لله ، ... ) ، و (
الصاحبُ ـ كما نعلم ـ ساحبٌ ) ، إما أن يسحـبك للخير أو أن يسحـبك للشر ! ،
والصاحب الذي يستحق أن يُصاحَب ويُرافَق هو ( المسلم المستقيم الملتزم
) ـ لا غير ! ـ ، وهو الذي يعينك إذا أطعت الله ، ويقوِّمُك إذا عصيت الله
، لا من يزيِّن لك الباطل !! ، ويصفق لك على الزلَّة !! ، ويطبِّل لك على
المعصية !! ، و ـ قديماً ـ قيل : ( صديقك من صَدَقَكَ .. لا من صَدَّقَكَ )
، أي : ( الصديقُ الناصحُ هو من يَصْدُقُ معك ، فيَصْدُقُ لك بالنُصح ـ
تارةً ـ ، وبالتــذكير ـ تارةً أخرى ـ ، ولا يوافقك على الخطأ والزلةِ ،
وليس الصديق من يُصَدِّقُكَ بكلِ ما تقولُ ، ويُوافقك على كلِ ما تفعلُ ،
بل ولا يأمرك بمعروف ولا ينهاك عن منـــكرٍ ، ويزيدك جهلاً !! ، وإنتكـاساً
!! ، ـ بل ـ وإنحداراً !! ) ؛ فـ ( نِعْمَ الأول ) ! ، و ( بِئْسَ الثاني ) ! ، ورحم الله الشاعر حين قال :
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا ؛ إِذَا لَــــــمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ : صَدُوقٌ ، صَادِقُ الوَعْدِ ، مُنْصِفَا
وآخر دعوانا ؛ أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .