الحرية (المحدثة) قبل الشريعة!!
(بطلان قاعدة د.القرضاوي ود.طارق سويدان) (2)
إن الكمال في كل شيء مطلوب، والقرب من الكمال مرغوب فإنه باب سموٍ وعلوٍ ينشده الفضلاء، ويسعى إليه العقلاء، بحثاً عن السعادة وعيش
حياة جميلة هانئة، فلا تكدرها المنغصات، ولا يعكر صفوها شوائب هذه الحياة،
وكمال الإنسان مطلب ورغبة وطموح تتسابق الشعوب والأمم في طلبه وتحقيقه، فكيف نحقق الكمال الإنساني وما السبيل للوصول اليه واللحاق بركابه؟!
عباد الله! -بعيداً عن الآراء والأهواء البشرية وزبالة الأذهان العقلية- : عليكم أن تعلموا علما يقينا لا
يداخله الشك؛ بأن قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانْسَ الا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56] حق، وقول النبي صلى
الله عليه وسلم: «يا أيها الناس قولوا: لا اله الا الله تفلحوا» حق بلا تردد، على الرغم من فوضى التشكيك التي يمارسها بعض من يتسمون بالمفكرين
والدعاة، فإياكم والاعتراض على الله، أو التمرد والانحراف عن السبيل، فلا تخرجوا على عبودية الله، فإن الكمال الانساني هو بالحياة وفق شريعة الله، خالقنا الذي أحسن الخلق، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:2-3 ]، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[التين: 4]، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[غافر: 64]، فكما أحسن ربُّنا خلقنا، اختار لنا طريقة وشريعة تأخذ بنا الى ما ناسب خَلْقنا، فهناك علاقة بين الخَلْقِ الحسن والخُلُق الحسن والاعتقاد الحسن والرأي الحسن والتعبير الحسن والتغيير الحسن، قال تعالى: { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]، وقال: {قُلْ ان الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154]،
فكله من عند الله الخالق الرازق، فكما ان الخلق لله والرزق من الله، فيجب
ان تكون الالهية والعبودية لله، اعتقادنا ورأينا وجميع الأقوال والأفعال، فكل (اعتقاد وتعبير وتغيير) ينبغي أن تكون تبعاً لمرضاة الله وحده لا شريك له،
تسمو بنا عن عبادة من لا يملك خلقاً ولا نفعاً ولا ضراً، فلا نتخذ مع الله
إله آخر، فلا إله الا الله، فكل من كان مع الشريعة وعلى الشريعة، هم
عُبَّادٌ لله، وليسوا عُبّادا للقبور والأضرحة والصخور، ولا عبّاداً
للأبقار
والأحجار، يتنزهون عن الدعاء والتعلق بالأولياء والمراجع والبشر، والتمسح
بالشجر، فلابد من صرف العبادة بأنوعها لله وحده لاشريك له.1- منهج الاستدراك والاعتراض:
لقد
طرأ على الناس ابتداع مفاهيم مخالفة ومعارضة للمفاهيم التي في كتاب الله
وسنة نبيه، ورأينا الاستدراك والاعتراض على الله سبحانه وعلى كتبه ورسله
وشرائعه
منذ القدم ومنذ اعتراض واستدراك المنافقين وذي الخويصرة التميمي حتى يومنا
هذا، وفي كل زمن يخرج من يعترض على دين الله فهذا الدكتور طارق
سويدان (بصوته في شريط مسجل موثق) يقول: [جزء آخر
من
قضية الحرية بالنسبة لي هي الحرية المتعلقة بالتعبير، حرية التعبير، من
حق الناس ان تقول ما تشاء في غير الفساد الأخلاقي، الدعوة الى الأفكار،
الاعتراض على الدولة، الاعتراض على الحاكم، الاعتراض (حتى) على الاسلام، ما
عندي مشكله فيه، حتى الاعتراض على الله تعالى، وعلى رسول الله – العفو –
أليس هذا في القرآن الكريم؟ ألم يتكلم المنافقون بكلام سيئ عن النبي صلى
الله عليه وسلم؟ ووضع هذا في القرآن الكريم، هذا موجود..هذا موجود ].ا.هـ قلت: نعم هذا موجود في القرآن، إن كفر واعتراض إبليس
والكفار
والمعاندين والمنافقين ذكره الله في كتابه؛ عبرة لمن عصاه وخالف أمره،
وتوعدهم بأن جهنم هي المأوى وبئس المصير، فهل ندعو الناس لمماثلة
ابليس
ومشابهة الكفار والمنافقين للاعتراض والرفض والعصيان؟ هل ندعو الناس للكفر
والضلال أم ننتقد ذلك الاعتراض ونقول: إنه كفر صريح، وندعو الناس
ليقولوا بقول المسلمين، قال تعالى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، وليس قول الكفار المعترضين، قال تعالى: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، ولنا مع أقوال
الدكتور طارق سويدان وقفة خاصة، فليس هذا موضع تعقبه وبيان بطلان قوله،
علماً أن بطلان قوله يدركه كل مسلم سليم الفطرة حسن الاعتقاد. يا دكتور طارق سويدان - وفقك الله للخير كله - لقد أشربت من
بيئتك وتأثرت بأساتذتك، لما رواه البخاري (1359)، ومسلم (22/2658) في
«صحيحيهما» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «ما من مولود الا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء»، ثم
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم:30].
وفي رواية لمسلم(23/2658) : «على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه». وفي
رواية لمسلم (25/2658) : قال: «كل انسان تلده أمه على الفطرة وأبواه بَعْدُ يهودانه وينصرانه ويمجسانه، فان كانا مُسْلِمين فمُسلمٌ».
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل) (279/4): "فهذا صريح في أنه يولد على ملة الاسلام".
أيها الناس! عليكم بالتوبة والعودة إلى الله، والامتثال والطاعة المطلقة لله ولرسوله، قال تعالى: { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله } [البقرة: 140]،
وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلاَمَ دِينًا}[المائدة: 3].
فهل نحن بحاجة للاستدراك البشري لتوفير حياة أفضل ودين أفضل وسلوك أرقى وأحسن؟
هل نحن بحاجة لاستدراك الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور طارق سويدان؟ وأضيف الأستاذ فهمي هويدي الذي كتب مقالا في "الوطن بتاريخ
2012/12/10
من التاريخ الافرنجي" بعنوان (الديموقراطية قبل الشريعة والاستقلال قبل
الاثنين)، وسأهمله، فلا يوجد لديه جديد فهو يعبر عن اهتمامات ورأي
الليبراليين.رابع أسباب النقض: مشابهة دعوة إبليس فالحرية مقدمة على كل شيء
2- منهج الإغواء والتضليل
1-
ابليس قائد الدعاة ورائد الدعوة للحريات المشبوهة قال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ
لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}
[الأعراف: 16 - 17]، وقال تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآَمُرَنَّهُمْ}[النساء: 119]،
لقد بدأ ابليس اغوائه ودعوته الضالة بوسائله المختلفة مع أول وجود لمجتمع
انسانِي، ذَاكَ المُجتمعُ المُكونُ آنذاكَ مِنْ آدم عليه السلام وزوجه
حواء، داعياً الى هوايته في الاغواء من أجل الايقاع فِي الزلل وَالخَطَلِ، كما في قوله تَعَالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا
هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}[البقرة: 35-36]،
وان كل الدعوات المنحرفة عن الصراط المستقيم، والطريق القويم، التي
تُعْلِنُ تَمردها عن الحق، وعدم قبوله، والمطالبة بعدم طرح رأيها، بل ترى
فِي
فترات ظهور الحق وانتشاره الغاء لمُعتقداتها الباطلة، وتطالب بأن يكون
لها حَقٌ في الوجود، وأن تُمنحَ مساحة من الحُريةِ (المحدثة) عن طريق
الوسائل الاعلامية المختلفة، طمعاً فِي نشر ما عندها من باطل، كل هذه الدعوات: تسير على خطى القطب الأكبر، والمرجع الأول رائد دعوة الانحراف ومنظِّرها.
وعندما يُفتح باب الشر والضلال، تصبح العقول البشرية جزءاً من الخرافة، وهكذا ينحرف الناس عامة، والمسلمون خاصة عن ما اختاره الله
لَهم من الدين القيم، قال تعالى: {فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]،
والدين القيم هو دين الاسلام الصحيح القائم علَى أصولٍ وأدلةٍ
وَبَراهِيْنَ، ثَبَاتُها كثبات الجبال الرواسي، دين الاسلام النقي
الصافِي، الذي لا يقوم علَى الخيال
والخراب، والفكر وسراب العقول وآرائها، ولَم تداخله الشوائب والخرافات.
2- اغواء المفكرين والدعاة قال تعالى: {قَالَ
الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ
أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا
الَيْكَ مَا كَانُوا ايَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص:63] وقد تشبه أؤلئك الأقوام بالكفار والعالم الغربي المنفلت واستوردوا منهم
مفاهيم كثيرة، منها مفهوم الغرب للحرية، وتلك أمم وشعوب تسير في كل اتجاه دون ضابط أو رابط.المفهوم الغربي للحرية والمفهوم الشرعي للحرية
إن للحرية والحريات في الغرب؛ معنى يخالف ما نحن عليه، حياة تقوم على اطلاق عقائد وتصرفات وسلوك الغربيين، فلا تخضع لضوابط شرعية
وعوامل
عرفية لا تخالف الفطرة البشرية ولا تناهض الشرع، بخلاف تصرفات من يدخل في
الاسلام فانه ينضبط بأدلة الكتابة والسنة، فيخرج باعتقاد سليم،
وسلوك سامِ، وأخلاق حسنة، وعلاقات راقية، ويعبر برأي يرضي الله ورسوله، ويُغَيّر ما يريد الله تغييره
فالتغيير بحسْب مراد الله وليس تغييراً يوافق الشهوة والهوى. وأنقل للقارئ كلاماً لأحد أولئك الذين عايشوا بداية الغزو
العقدي، وقد أولع المسلمون بمشابهة الغربيين، مثلت مرحلة اندفاع غير مسبوقة
لأخذ كل ما هو غربي الانتاج، وقد توفي رحمه الله في سنة (1250) من التاريخ العربي.[هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعاً]
قال أبو العباس أحمد بن خالد الناصري في «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» (3/114): ((واعلم
ان هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعاً
لأنها تستلزم اسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الانسانية رأسا، أما
اسقاطها
لحقوق الله، فان الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر
وعلى الزاني طائعا، حدودا معلومة، والحرية تقتضي اسقاط ذلك كما لا
يخفى،
وأما اسقاطها لحقوق الوالدين، فلأنهم خذلهم الله يقولون ان الولد الحدث
اذا وصل الى حد البلوغ والبنت البكر اذا بلغت سن العشرين مثلا يفعلان
بأنفسهما ما شاءا ولا كلام للوالدين فضلا عن الأقارب فضلا عن الحاكم، ونحن
نعلم ان الأب يسخطه ما يرى من ولده أو بنته من الأمور التي تهتك المروءة
وتزري
بالعرض، سيما اذا كان من ذوي البيوتات، فارتكاب ذلك على عينه مع منعه من
الكلام فيه، موجب للعقوق ومسقط لحقه من البرور، وأما اسقاطها لحقوق
الانسانية
فإن الله تعالى لما خلق الانسان كرمه وشرفه بالعقل الذي يعقله عن الوقوع
في الرذائل ويبعثه على الاتصاف بالفضائل، وبذلك تميز عما عداه من
الحيوان،
وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور بل يبيح للانسان ان يتعاطى
ما ينفر عنه الطبع وتأباه الغريزة الانسانية من التظاهر بالفحش
والزنى
وغير ذلك ان شاء، لأنه مالك أمر نفسه فلا يلزم ان يتقيد بقيد ولا فرق بينه
وبين البهيمة المرسلة، الا في شيء واحد هو اعطاء الحق لانسان آخر
مثله،
فلا يجوز له ان يظلمه وما عدا ذلك فلا سبيل لأحد على الزامه اياه، وهذا
واضح البطلان، لأن الله تعالى حكيم وما ميز الانسان بالعقل الا ليحمله
هذه التكاليف الشرعية من معرفة خالقه وبارئه والخضوع له لتكون له بها
المنزلة عند الله في العقبى ﴿انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض﴾
[الأحزاب: 72 ].
واعلم ان الحرية الشرعية هي التي ذكرها الله في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وحررها الفقهاء
رضي الله عنهم في باب الحجر من كتبهم فراجع ذلك وتفهمه ترشد وبالله التوفيق)).
أسال
الله لي ولكل من قال: [الحرية قبل الشريعة] أو [الحرية قبل الاسلام]،
الهداية التوفيق والثبات على الحق، والحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي