متى يكون أولادنا وأموالنا فتنة؟
--------------------------------------------------------------------------------
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أموالكُمْ وَأولادكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” (الآيات 27 29).
روى المفسرون في سبب نزول قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا” ثلاث روايات منها ما جاء عن ابن عباس من أنها نزلت في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فقالوا له: يا أبا لبابة ما ترى: أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه، أي أن حكم سعد فيكم سيكون الذبح فلا تنزلوا.
قال أبو لبابة: والله مازالت قدماي عن مكانهما حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله.
والمقصود بخيانة الله: ترك فرائضه وأوامره التي كلف العباد بها، والمقصود بخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم: إهمال سنته.
والمقصود بالأمانات: الأسرار والعهود والودائع وغير ذلك من الشؤون التي تكون بينهم وبين غيرهم مما يجب أن يصان ويحفظ.
والمعنى: “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله” بأن تهملوا فرائضه وتتعدوا حدوده، ولا تخونوا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تتركوا سنته وتنصرفوا إلى غيرها وتخالفوا ما أمركم به، وتجترحوا ما نهاكم عنه، ولا تخونوا “أماناتكم” بأن تفشوا الأسرار التي بينكم وتنقضوا العهود التي تعاهدتم على الوفاء بها، وتنكروا الودائع التي أودعها لديكم غيركم.
فتنة الأموال والأولاد
ولما كان حب الأموال والأولاد والاشتغال بهم من أهم دواعي الإقدام على الخيانة، فقد نبه سبحانه إلى ذلك فقال: “واعلموا أن أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم”.
أي اعلموا أيها المؤمنون أنما أموالكم وأولادكم فتنة، أي امتحان واختبار لكم من الله تعالى ليتبين قوي الإيمان من ضعيفه.
أما قوي الإيمان فلا تشغله أمواله وأولاده عن طاعة الله ولا تجعله يعيش حياته عبدا لهذه الأموال، ومطيعا لمطالب أولاده حتى ولو كانت هذه الطاعة متنافية مع تعاليم دينه وآدابه.
يقول صاحب تفسير المنار: الفتنة هي الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه أو قبوله أو إنكاره، وأموال الإنسان عليها مدار حياته وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه، فهو يتكلف في طلبها المشاق، ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال في إنفاقها.
أما الأولاد فحبهم كما يقول الإمام محمد عبده ضرب من الجنون يلقيه الفاطر الحكيم في قلوب الأمهات والآباء.
فالواجب على المؤمن اتقاء خطر الفتنة الأولى بكسب المال من وجوهه الحلال، وإنفاقه في وجوهه المشروعة، واتقاء خطر الفتنة الثانية باتباع ما أوجبه الله على الآباء من حسن تربية الأولاد على الدين والفضائل.
ترغيب في الطاعة
والمقصود بقوله سبحانه: “وأن الله عنده أجر عظيم” ترغيب المؤمنين في طاعة الله، بعد أن حذرهم من فتنة المال والولد.
أي: واعلموا أن الله عنده اجر عظيم لمن آثر طاعته ورضاه على جمع المال وحب الأولاد، فكونوا أيها المؤمنون من حزب المؤثرين حب الله على حب الأموال والأولاد لتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة.
ثم ختم سبحانه نداءاته للمؤمنين بهذا النداء الذي يهديهم إلى سبل الخير والفلاح فقال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم”.
والمعنى: إن تتقوا الله بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما يبغضه وتطيعوه في السر والعلن “يجعل لكم فرقانا”، أي هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل، ونصرا تعلو به كلمتكم على كلمة أعدائكم، ومخرجا من الشبهات التي تقلق النفوس، ونجاة مما تخافون، وفضلا عن ذلك فإنه سبحانه يكفر عنكم سيئاتكم، أي يسترها عليكم في الدنيا، “ويغفر لكم” يوم القيامة ما فرط منكم من ذنوب بلطفه وإحسانه “والله ذو الفضل العظيم”.