اسمي ( أمين المصري ) أعمل مدرسا تثاقلت كثيراً الهموم
على رأسي . متطلبات كثيرة لثلاثة أبناء . علاوة على زوجتي
التي لا تمل من الطلبات . لا تعرف في الدنيا غير كلمة ( هات
معك وهات ) . وكعادتي كنت أهرب من زحام الحياة وأذهب
للجلوس على شاطئ ( بحيرة قارون ) فأنا أعشقها وقد
علمت من الأستاذ ( شكري ) مدرس الجغرافيا في مرحلة
الدراسة الثانوية بأن هذى البحيرة هي أقدم البحيرات الطبيعية
على وجه الأرض . وكانت تحاك حولها الأساطير والحكايات .
مثل أن الله عز وجل قد أغرق ( قارون ) وتحول الماء
المنهمر من السماء إلى بحيرة وأمواله قد صارت سمكاً .
معنى ذلك أن السمك الذي نأكله عبارة عن ( عملات ذهبية ) .
وفى إحدى المرات وأنا جالس على ضفاف البحيرة راعى
انتباهي امرأة عجوز تجلس وحيدة أمامي . كانت تنظر نحوي
فتبسمت لها وهززت رأسي كأني أحييها . فهي تقريباً في سن
أمي . لكنها لم تبتسم ولم ترد التحية . أنها تحملق في كثيراً .
تظهر علامات الحزن عليها . دارت أسئلة في رأسي . هل لها
ولد يشبهني . سافر أو مات ؟ مسكينة أيتها السيدة .
تجلس وحيدة . طلبت من النادل كوباً من الشاي . أحضره لي .
بدأت أرشف من الكوب . وقعت عيناي على عينيها . أنها
مازلت تنظر . كان من الأولى بى أن أطلب كوبا لها مثلى .
فهي مثل أمي . وفعلت وأحضر لها النادل الشاي . ووضعه
أمامها . ولكنها لم تقول حتى كلمة شكر . أو حتى إيماءة
بسيطة. فهي مازالت تنظر لي . مسكينة على ما يبدو أنها
خرساء . تشاغلت عنها . مرت ساعة .نظرت إليها . أنها لم
تمد يدها إلى الشاي . لكنها مازلت تنظر لي . وعلى ما يبدو
أنها لم تنزل عينيها عنى طرفة عين . داخلني شعور بعدم
الراحة . فهذه المرأة تراقب حركاتي وسكناتي . تشاغلت عنها
كثيراً . لكنها مازلت تنظر . أحسست بأنه يوجد شئ خطأ في
هندامي . اختلست النظر إلى ملابسي ووجدت أنه لا يوجد فيها
شئ معيوب . هل أقوم أسألها لماذا تنظر لي هكذا . أخاف أن
أجرحها . فهي مثل أمي . لكنى أحس بنظراتها تنفذ من
جلدي . تخترق عظامي . تعد علي أنفاسي . أريد أن أترك لها
مكاني . لكنه المفضل لي . ما هذا ؟ ابتعدي ولو لحظة عني
بعينيك . غير محتمل هذا . ... سأقوم إليها وأسألها . لماذا كل
هذه النظرات ؟ . نهضت من مكاني . ذهبت إليها .
ماذا تريدين يا أمي ؟ هل من مساعدة لك ؟ أنها مازالت تحملق
في . ولكن هذه المرة في قميصي . فأنا أقف أمامها مباشرة
قلت : هل تستائين من هذا اللون .. .
أيضاً لم ترد . أيتها الأم هل من شئ ممكن أن أفعله لك ....
نفس نظرات الحزن . اغتظت كثيراً منها . أمسكت بها من
كتفها برفق حتى ترد علي . لكنها وقعت من على المقعد .
وقفت في ذهول فأنا لم أدفعها . وقعت على
الأرض وتنظر نفس النظرة لحذائي . فهمت الآن .يا للهول
أنها ميتة منذ ساعات . أجتمع حولنا كل من كان على الشاطئ
. وأنا فى ذهول مما يحدث . أجلسوها على الكرسي مرة أخرى
. قال أحدهم : أنها فاقدة للوعي . قال الآخر : أنا طبيب . وبدأ
بالكشف عليها . ولا أعرف كم من الوقت كان وقوفي هذا .
سمعت الطبيب يقول : أنها قد ماتت .
وحضر أفراد الشرطة المتواجدون على الشاطئ .
وسمعت همهمة بين الجمع . أصابعهم تشير إلي .
قال الضابط : هل هي أمك . حاولت الرد .
ولكن يبدو أنى قد ابتلعت جميع الكلمات. ووقفت في حلقي كل
الأحرف . بدأت الحلقة تضيق على ... نظرات الشر في أعينهم
. حاولت الكلام .. قلت بصوت خفيض مرتعش : أنا ....
أنا..... مش .... هي .... لم ... ولم أدرى إلا وأنا مقيد
بالأصفاد . يسوقوني إلى قسم الشرطة ... بالصفعات ... والركلات