بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فرَّق العلماء بين كون الصبي مميزاً أو غير مميز، فلكل حالة حكم:
أما
فيما يخص المميز فقد ذكر بعضهم الإجماع كما قال صاحب "اختلاف أئمة
العلماء": "وأجمعوا على أن أذان الصبي المميز للرجال معتد به"، وقد خالفت
المالكية في ذلك كما ذكر صاحب "الفقه على المذاهب الأربعة": "بل يصح أذان
الصبي المميز سواء أذن بنفسه، أو اعتمد في أذانه على مؤذن بالغ باتفاق
ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم.. (المالكية قالوا: يشترط في
المؤذن أيضاً أن يكون بالغاً، فإذا أذن الصبي المميز فلا يصح أذانه إلا
إذا اعتمد فيه أو في دخول الوقت على بالغ، فيصح أن يكون عدل رواية، فلا يصح
أذان الفاسق؛ إلا إذا اعتمد على أذان غيره)" فالمالكية يقبلون أذان الصبي
شريطة أن يعتمد على عدل بالغ في تحديد دخول الوقت كما يعتمد الفاسق على
غيره في ذلك.
وذكر الإمام النووي - رحمه الله - علَّة من قال بأن
أذان الصبي معتد به فقال - رحمه الله تعالى -: "المسألة الثالثة: يصح أذان
الصبي المميز كما تصح إمامته، وهذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور، ونص عليه
في الأم لما ذكره المصنف، قالوا: ولأنه يقبل خبره فيما طريقه المشاهدة كما
لو دل أعمى على محراب يجوز أن يصلي، ويقبل قوله في الأذان في دخول الدار،
وحمل الهدية" وذكر بعضهم أن أذان البالغ أفضل، وتستحب إعادة أذان الصبي
المميز يقول صاحب "بدائع الصنائع": "وَرُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَكَذَا أَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَإِنْ
كان جَائِزاً حتى لَا يُعَادَ، ذَكَرَهُ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ وهو الْإِعْلَامُ؛ لَكِنَّ أَذَانَ الْبَالِغِ أَفْضَلُ
لِأَنَّهُ في مُرَاعَاةِ الْحُرْمَةِ أَبْلَغُ، وَرَوَى أبو يُوسُفَ عن أبي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال: أَكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ من لم يَحْتَلِمْ؛
لِأَنَّ الناس لَا يَعْتَدُّونَ بِأَذَانِهِ"4، وجعل صاحب "الفواكه
الدواني" أذان الصبي المميز جائز لصبيان مثله يقول: "فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ
الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ، وَلَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ
يَكُونَ ضَابِطاً تَابِعاً لِبَالِغٍ فَيَصِحُّ، وَيَصِحُّ أَذَانُهُ
لِصِبْيَانٍ مِثْلِهِ"
أما الصبي الغير مميز فلا يصح: يقول صاحب "الفقه
على المذاهب الأربعة": "ولا يصح أذان الصبي غير المميز، ولا يرتفع الإثم
به" وبيَّن الكاساني أن أذان الصبي غير المميز مثل صوت الطيور غير معتبر
يقول: "وَأَمَّا أَذَانُ الصَّبِيِّ الذي لَا يَعْقِلُ فَلَا يجزئ
وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ ما يَصْدُرُ لَا عن عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ
الطُّيُورِ"
ونخرج مما سبق أن أذان الصبي المميز يصح، ومن قال بخلاف
ذلك فقوله له حظ كبير من النظر لأنه تترتب على الأذان أمور كثيرة كالصيام
وغيره.
وهناك من الفتاوى ما تبين جواز أذان الصبي المميز كما في الفتوى التالية:
"السؤال:
ألاحظ في بعض المساجد الصغيرة، والمقامة أسفل العمارات السكنية؛ أن من
يرفع أذان الصلاة في أغلب الأوقات أطفال في سن الثامنة حتى الثالثة عشر،
وفي البعض الآخر يرفع الأذان أي شخص من العابرين على المسجد، وذلك لعدم
وجود إمام مقيم، أو حارس للمسجد، فما صحة ذلك وشرعيته؟
الفتوى: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز
أن يكون المؤذن صبياً مميزاً غير بالغ عند الحنفية والشافعية والحنابلة
وهو الصواب، ودليله أن عبد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك كان يؤذن وهو
غلام لم يحتلم، وكان ذلك دون إنكار من جده أنس بن مالك - رضي الله عنه -
ولا من غيره، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وهذا مما يظهر ولا يخفى، ولم
ينكر فيكون إجماعاً، وذهب المالكية إلى أنه لا يصح من صبي مميز إلاَّ أن
يعتمد فيه أو في دخول الوقت على بالغ، ووجود مؤذن وإمام راتبين لا شك أنه
هو الأفضل، لكن إذا لم يوجد أحد منهما فلا مانع أن يؤذن أي مسلم ممن لم يقم
به مانع من الأذان.
وعليه فهذا العمل الذي ذكرت لا حرج فيه؛ وإن
كان الأولى أن يرتب لكل مسجد مؤذن تتوفر فيه الشروط المطلوبة في المؤذن، ثم
إننا ننبه إلى أمر مهم وهو أن مذهب المالكية في هذه المسألة - وإن قلَّ
القائلون به من غيرهم - مذهب له حظ كبير من النظر، فإن أذان المؤذن يعتمد
عليه الناس في صومهم وصلاتهم، فلا ينبغي أن يوكل إلى غير بالغ،
والله أعلم"