بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على الشفيع المشفع خير خلق الله
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد..........
إذا تفكرنا في قول المولى عز و جل في الآية 7 من سورة غافر (الَّذِينَ
يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا
سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم( نجد فيها وصف الملائكة لله عز و جل بأنه
وسع كل شيء رحمة و علما، فإذا تدبرنا قول الملائكة هذا نجد بأنهم
سبّقوا كلمة الرحمة على العلم و ترتيب الكلمات في القرآن يفيد الترتيب
الزمني للأحداث، و لهذا فإننا نتعلم من هذا القول بأن رحمة الله سبقت
علمه. وهذا يعني بأن الله عز و جل إذا أراد أن يخلق أي شيء فإن ما
تتطلبه الرحمة في هذا المخلوق هي المواصفات الهندسية لتصميم الله
له. سأوضح هذا أكثر بالأمثلة التالية التي تبين رحمة الله في تصميمه
لجسم الانسان.
رحمة الله و علمه في التصميم الهندسي للعظم البشري:
عندما أراد المولى عز و جل خلق الهيكل الذي سيحمل القوى المؤثرة على
جسم الانسان (أي العظم البشري مبين في صورة (1) فإن رحمة الله
تتطلب بأن يكون وزن هذا الهيكل خفيفا لكي لا يكون هناك جهد عند حركة
الانسان و لكي لا يكون هناك تحميل ذاتي للعظم على نفسه (أي توليد
جهد نتيجة وزن العظم). فهذه هي من متطلبات الرحمة في العظم البشري.
صورة (1): تصميم الله عز و جل للهيكل العظمي في جسم الانسان (العظم عبارة عن مادة فخارية).
يأتي الآن علم الله لتصبح هذه الرحمة خلقا فنجد بأن الخالق جل و على
خلق العظم البشري من مادة فخارية كما يخبرنا في آية 14 من سورة
الرحمن (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، و ذلك لأن المادة الفخارية
تتميز بأن لها قساوة عالية و خفيفة الوزن و بالتالي خفة لوزن الهيكل
العظمي للإنسان مما يؤدي الى عدم وجود جهد عند حركة الانسان.
فنلاحظ أخواني و أخواتي كيف أن خلق الله مبني على الرحمة و أن خلقه
عبارة عن رحمة مترجمة الى خلق (فسبحان الرحمن الرحيم).
رحمة الله و علمه في التصميم الهندسي للدماغ البشري:
عندما أراد المولى أن يخلق الدماغ البشري فإن الرحمة تتطلب بأن يتم
تصريف سريع للحرارة المتولدة فيه نتيجة عمله و جريان السيلات العصبية
فيه (مثل تولد الحرارة في الدوائر الكهربائية نتيجة مرور التيار فيها) لكي لا
يكون هناك ألم و ضيق نتيجة تراكم الحرارة في الدماغ البشري.
فيأتي علم الله عز و جل لإظهار هذه الرحمة في أنه خلق في الدماغ
تعرجات (مبينه في صورة (2))، بحيث أن هذه التعرجات تزيد بدرجة كبيرة
المساحة السطحية للدماغ و بالتالي تصريف أسرع للحرارة المتولدة فيه
و نتيجة لذلك لا يوجد ألم و لا ضق عند عمل الدماغ رحمة بالإنسان.
صورة (2): تصميم الله عز و جل للدماغ البشري (يلاحظ التعرجات في الدماغ).
وسوف نتناول بالشرح بمشيئة الله رحمة الخالق بالمخلوق في باقي أجزاء الجسم
اللهم علمنا ما ينفعنا ؛ وأنفعنا بما علمتنا ؛ وزدنا علما