كيف تخلق الجامعة طلابا أكثر إنسانية
يهدف التعليم الجامعى فى الأساس إلى تعليم الطلاب كيف يمتلكون مشاعر إنسانية ويتصدّون للظلم ويحققون العدالة والتكافل الاجتماعى، فالجامعة ليست مكانا للتوظيف وسبيلا للحصول على المال، بل يجب أن تصبح منبرًا يتعلم فيه الطلاب كيف يصبحون على أعلى درجة من الإنسانية والرحمة، وأن يطبقوا هذه المبادئ فى حياتهم العملية، إذ يجب أن تعود الجامعة بكل كلياتها ومناهجها الدراسية إلى دورها الأساسى، كحركة ناشطة للإصلاح الثقافى والتعليمى ونشر الوعى بين الطلاب، فلا يجب أن تقتصر المناهج الدراسية فيها على النفعية المادية الضيقة، بل يجب أن تشمل كل الكليات فى كل التخصصات، تدريس العلوم الإنسانية، وذلك لتوسيع معارف الطلاب وتنويرهم وتعميق علاقاتهم بالكائنات والأنظمة المجتمعية الأخرى.
كما لا يجب أن تنقسم الجامعات إلى تخصصات علمية وأدبية، فهذا تقسيم مُخلّ وناقص، بل يجب أن تصبح الجامعات كمدرسة للحياة ككل، إذ يجب أن توفر الجامعات للطلاب إطلالة شاملة عن وجودهم فى هذا العالم، وتجعلهم يدرسون الظواهر البشرية التى تجمع بين البعد التاريخى والواقع الحالى، كما يجب أن تقدم الجامعات أيضًا تقييمًا واضحًا للتجربة البشرية التاريخية وتفسيرها، إضافة إلى تقديم نقد علمى وموضوعى للوجود البشرى ومراحل تطوره، وذلك حتى تتكون لدى الطالب نظرة واقعية عميقة حول المستقبل الذى ينتظره، فلو كان التعليم الجامعى أكثر إنسانية، ما أفرز هؤلاء العلماء الذين ساهموا فى صنع الأسلحة التدميرية، التى أدخلت العالم فى صراع وحروب طويلة ومستمرة، ولذلك يجب لأن تفرض مواد دراسية على الطلاب، على أن تكون متخصّصة فى العلوم الإنسانية والنفسية فى كل التخصصات بالكليات والجامعات المختلفة.
التعليم الجامعى فقد معناه الحقيقى
تشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن التعليم الجامعى فقد معناه الحقيقى فى الوقت الحاضر، وبات يلعب دورًا حيويًّا فى التحريض على الخوف من الحياة والنضال، وتنمية الصراع على المادة، وإهدار القيم الإنسانية، ولذلك يصعب على الطالب اتخاذ قرارات حكيمة فى حياته المهنيه والمستقبلية المقبلة، بينما ينظر الطالب الآن إلى التعليم على أنه مجرد الحصول على الشهادة النهائية التى ستمكّنه من تحصيل المال فيما بعد، لكن أن يقوم باستخدام ما يتعلّمه فى صنع إنسان مثقف، أو حتى ينصب تركيزه فى مجال يستطيع من خلاله تغيير وجهة العالم إلى الأفضل، هذه التفاصيل أصبحت من الأمور المستحيلة الآن، فالتعليم الجامعى يركّز حاليًا على القيم الثانوية فى الحياة، بدلاً من الاهتمام بأن يؤسّس مناهجه الدراسية على ترسيخ مبادئ الحياة وقيمها العليا.
تأهيل المتفوقين ليقودوا المجتمع فيما بعد
وظيفة التعليم الأساسية – إلى جانب زيادة قدرات ومعارف الدارسين – هى أن تضع الطلاب المتميزين والأكثر ذكاء فى مرتبة عالية من النزاهة والحيادية، إذ يجب العمل على أن نجعلهم قدوة للآخرين، وأن ندرّبهم ونؤهلهم على أن يكونوا من الزمرة التى تقود المجتمع، ولا يجب أن نتركهم للواقع المرير، بحيث يدخلون فى منافسة شرسة فى الحياة تضر بهم وبالآخرين.
هل أزال التعليم الجامعى الحواجز الاجتماعية بين الفئات المختلفة؟فى التصور التربوى والقيمى والاجتماعى القويم، يجب أن يساهم التعليم الجامعى فى تقليل الفوارق والحواجز الاجتماعية التى من الصعب إزالتها فى الواقع، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بأن تلعب الجامعة دورًا محوريًّا فى غرس العديد من المبادئ فى نفسيات الطلاب وخاصة فى سنة أولى جامعة، إذ إن هذه المبادئ ستعمل على ترسيخ قيم المساواة فى الحقوق والوجبات وتحقيق العدالة والتكافل الاجتماعى، أما الحقيقة القائمة الآن فهى أن التعليم الجامعى الحالى يخلق آلات متجمّدة، تسعى فقط إلى تحقيق التقدم فى الحياة بصيغتها المادية والاستهلاكية، ومن خارجها فقط، ليس من داخلها أو فى عمق قيمها وأهدافها العليا، فالنفس البشرية ما زالت فى الحضيض ولا تجد من ينمّيها ويعمل على ترقيتها والإعلاء من شأنها.