تأسس علم النحو على يد أبو الأسود الدؤلي ويقال في ذلك أنه مر برجل يقرأ القران فيقول "ان الله برئ من المشركين ورسوله" وكان يقرأ لفظة رسوله مجرورة أي معطوفة على المشركين وهذا يغير المعنى كلية .

وقيل أنه أصابه الهلع وقرر أن يعرب القران الكريم وأنه توجه إلى الإمام علي كرم الله وجهه وشرح له وجهة نظره وان العربية في خطر .. فتناول الامام علي صحيفة وكتب فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " الكلام اسم وفعل وحرف الاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما أنبأ عن ما هو ليس اسماً ولا فعلاً ثم طلب من الدؤلي أن يستمر على هذا النحو ، قال له " انح على هذا النحو " ومن هنا ولدت لفظة نحو .

ولد أبو الأسود الدؤلي قبل الهجرة ب 16 عام في قبيلة كنانة وهو لم ير الرسول قط وتوفي عام 69 هجرية .

ذلك الزمن الجميل .... العام 148 هجرية قرية البيضاء في شيراز ..

هنا نشأ سيبويه العظيم ، أميرا لنحاة " عمرو بن عثمان بن قنبر " ولكنه صغيراً يرتحل الى البصرة ويجلس في حلقات العلماء مع إمام النحو " الأخفش " و " حماد بن سلمة "

ومن أهم المواقف تأثيراً عليه أنه كان في حلقة علم مع الأستاذ " حماد بن سلمة " وقد سخر الطلاب من سيبويه وضحكوا عندما أخطأ في اعراب اسم ليس فاحمرت أذنا " سيبويه " من خجله وقال في حماس :

- لا بأس سأطلب علماً لا تلحني فيه .

أي أنه سيصل درجة من العلم لا يجد أحد غلطة في كلامه بعدها .

وأهم أساتذة سيبويه على الإطلاق هو الخليل بن احمد الفراهيدي الذي اكتشف أوزان الشعر العربي وفي ذلك قصة طريفة ، حيث يروى أن الناس ذات يوم كانوا يهرعون إلى بيت الخليل بينما صراخ ابنه يتعالى " جن ابي " "جن أبي " ، حيث كان الخليل يدفن رأسه في بئر في وسط الدار وجذعه بالكامل داخل البئر وكان ينشد الشعر بلا انقطاع .

صاح الرجال : أثرت ذعر ابنك يا خليل

فقال الخليل باسماً :

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكا

كان الخليل يدرس مقاطع الشعر العربي فالبئر هو المكان الوحيد الذي يرجع الصدى جيداً وقد وعد الناس بإبلاغهم ما اكتشفه في المسجد بعد صلاة العصر ، وهناك أعلن اكتشافه لأوزان الشعر حيث حصر خمسة عشر بحراً هي الطويل والمديد والبسيط والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث والمتقارب .

وعندما خرج الناس من المسجد كان سيبويه ينتظر الخليل حيث طلب منه أن يتتلمذ على يديه وبالفعل انتظم في دروسه وكان الخليل كلما رآه يقول : مرحباً بزائر لا يمل

* مواقف من حياة الخليل:

- ذات يوم أراد تلميذ أن يختبر أو أن يسخر من الخليل فسأله :

ما معنى قوله تعالى " رب ارجعون " فأطرق الشيخ مفكراً وأطال التفكير بينما ضحك التلميذ فقال الخليل :

الرجال أربعة رجل يدري أنه يدري وذلك عالم ٌ فاسألوه ، ورجلٌ لا يدري ويدري أنه يدري فذلك جاهلٌ فعلموه ورجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري فذلك غافلٌ فأيقظوه ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك أحمق فارفضوه "

- ذات يوم جاءه رسول من أمير الأهواز وقال له : سيدي أمير الأهواز يرغب في أديب يقيم في قصره يسليه ويعلم أطفاله وقد أرسل لك مع هذا العرض هدية مائة ألف درهم ...فنهض الخليل الى خزانة وتناول منها كسرة خبز جافة وقال للرسول : - ما دامت هذه في داري فلست بحاجة للأمير وقل له :

أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى أني لست ذا مالِ

سخا بنفسي أني لا أرى أحداً يموت هزلاً ولا يبقى على حالِ

- يقال أن أعرابي جاء للخليل مع ابنه وقال له – جئتك من سفرٍ شاق وأريدك أن تعلم ابني علم النجوم والنحو وما ينفعه من الطب وعلوم الفقه . فقال الخليل : كم عاماً تنوي أن تتركه معي .

فقال الرجل : أنا أنتظر على الباب مع حماري إلى أن تعلمه ونرحل .

فقال الخليل للصبي : - لتعلم يا بني أن الثريا في وسط السماء هذا درس كاف في علم النجوم ، الفاعل مرفوع وهذه أهم حقائق علم النحو ، نبات الهليلج الكابلي مفيد للصفراء هذا يكفيك في الطب ، أما عن الفقه فحسبك أن تعرف أنه لو مات رجل تاركاً ابنين فثروته تقسم بينهما بالتساوي ، وهذا يكفيك .

كان اخر ما طلبه الخليل من سيبويه أن يكتب كتاب في النحو سوف يسمى فيما بعد باسم الكتاب ..

وبعد سنوات من العمل والجهد انتهى الكتاب حيث استشهد سيبويه باراء الخليل في 370 موضعاً وكانت الغلطة التي لا تغتفر حين قرر سيبويه أن يتزوج .

وكعادة نساء اليوم صارت زوجته تصرخ دوماً الصراخ المتوقع : أنا كائن حي ، عندي أحاسيس ومشاعر وأنت طوال يومك ذاهلاً وسط كتبك ، وهو يدافع عن نفسه بأنها تزوجته وهي تعرف أنه هكذا ، وذات يوم حدثت المصيبة حين خرج الى السوق وعندما عاد كانت النار تتصاعد من بيته وقد احترقت كل كتبه ومخطوطاته بما فيها " الكتاب " الذي سهر الليالي الطوال لكتابته لم تذكر المصادر ماذا فعل بزوجته ولكني أعتقد أنه طلقها أو على أقل تقدير قتلها ، ثم استعاد الكتاب من ذاكرته بعد جهد جهيد .

وقد كان الناس في كل مكان ينتظرون بفارغ الصبر المناظرة الكبرى بين سيبويه وبين " الكسائي " وهو حمزة بن عبدالله الأسدي " امام نحاة الكوفة والمفضل عند هارون الرشيد ، فسافر سيبويه الى بغداد استعداداً للمناظرة التي انتظرها الناس طويلاً .

وبدأت المناظرة بما عرف فيما بعد " بالمسألة الزنبورية " فسأل الكسائي سيبويه :

- ما رأيك في العبارة التالية " كنت أحسب أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فاذا هو هي " أم " فاذا هو اياها " فأجاب سيبويه : هو الرفع : فاذا هو هي

السؤال الثاني :

ما رأيك في العبارة التالية : - خرجت فإذا عبدا لله القائمُ ، أم عبدا لله القائمَ

قال سيبويه : القائمُ بالرفع

فقال الكسائي : بل يجوز الرفع والنصب في المثالين .

وعندما اختلفا حكما أعراب الحطمة وهم أصدقاء للكسائي ومتواطئين معه فقالوا أن الصواب هو ما قال الكسائي ، وانهار سيبويه وقد خسر المناظرة وقرر أنه لن يعود إلى البصرة أبداً حيث انطلق الى خراسان وصوت بشار بن برد القبيح يدوي في أذنيه حين سبه قائلاً :

أسيبويه يا ابن الفارسية ما الذي تحدثت من شتمي وما كنت تنبذُ

أطلت تغني سادراً بمساوئي وأمك بالمصرين تعطي وتأخذُ

وفي خراسان قهرته الحمى فمات تاركاً إرثا في كتابه الكتاب لم يستطع جميع النحاة من بعده أن يضيفوا إليه جديداً وقد عزى نفسه قديماً ببيتين يحملان معنىً رائعاً :

يؤمل دنيا لتبقى لـــــــــــه فمات المؤمل قبل الأمــــل

حثيثاً يروي أصول النخيل فعاش الفسيلُ ومات الرجل