الحمل والإنجاب والرضاعة
************************************************** ***
الحمل ينتج من الماء الدافق والماء الدافق هو الذى يخرج من بين الصلب والترائب .
يقول تبارك وتعالى :
( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ )
والصلب هو صلب الرجل والترائب هى ترائب المرأة .
وقيل أنهما للرجل والمرأة ( سلسلة ظهره وظهرها وعظام صدره وصدرها ) .
وماء الرجل هو : المنى .والمنى هو : الماء الثخين المحتدم الذى يشبه رائحته الطلع
ويحتوى على أعداد هائلة من الحيوانات المنوية .
وماء المرأة هو الماء الرقيق الذى يتم إفرازه وتخرج منه البويضة .
..
بعد أن يتغشى الزوج زوجته ويباشرها ويواقعها ويلتقى المنى بالبويضة
ويتم الإخصاب يبدأ الحمل ويتكون الجنين داخل رحم الأم .
فى بادىء الأمر يكون الحمل حملاً خفيفاً غير ذى وزن أو ثِقل فى بطنها .
ثم تمر المراحل فى خلقه وفى تخلقه . وتمر به الأم يوماً بعد يوم وشهراً يعقبه شهر
حتى يصبح ذات وزن وثقل . يقول جل شأنه :
( فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً .. فَمَرَّتْ بِهِ .. فَلَمَّا أَثْقَلَت .. دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ
آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ )
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون نطفة
مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ) متفق عليه
.............
يقول الله عز وجل : ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ )
المرأة بطبيعة خلقها واهنةٌ ضعيفة . وحين تتزوج وتحمل تزداد وهناً على وهن وضعفاً على ضعف
فالأم قبل أن تحمل جنينها فى بطنها كانت واهنة وضعيفة .
وبحمل الجنين داخل رحمها ازدادت ضعفاً على ضعفها ووهْناً على وهْنها
.
ويقول جل شأنه : ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً )
فالأم فى حملها لجنينها تكون كارهةً مُنهكة تعانى منه وتكابد وتقاسى . ولكنها تدافع عنه
وتحارب وتقاتل حتى لايمسه سوء أو يصيبه مكروه أو أذى .
وفى وضعها لوليدها تكون أيضاً كارهة لأنها تواجه المحن والكربات وتلاقى الصعاب وشتى أنواع العذاب .
ولكنها تصبر وتتحمل وتتجلد وكل أملها وأمنياتها أن ترى قرة عينها وقد وُلِد معافاً صالحاً لها ولزوجها
..................
والحمل يأتى نتيجة الإتصال الجنسى الذى بين الزوج وزوجته وهو الإتصال الجنسى المشروع .
وقد يأتى نتيجة اتصال جنسى غير مشروع كالزنا وهو فعل محرم .
وقد يكون بغير اتصال جنسى : فيما لو تم نقل الحيوان المنوى للرجل إلى رحم الأنثى
دون وقاع وهو ما يسمى ( التلقيح الصناعى ) .
أو فيما لو تم نقل الحيوان المنوى للرجل مع بويضة الأنثى فى مكان يتوافر فيه نفس الظروف
الموجودة بالرحم ويأتى منه الولد وهو ما يسمى ( طفل الأنابيب ) .
فالحيوان المنوى يمكنه أن يعيش فى الدفء والظلام مدة معينة يحتفظ فيها بحيويته
وينقل إلى رحم المرأة أو المكان المعد لذلك والذى يشبه رحم الأنثى فإذا اتصل الحيوان
المنوى بالبويضة لقحها كما يحدث بالنسبة للإتصال الجنسى فيأتى منه الولد
وقد يتم إدخال بعض الجينات لتحسين الجنين .
..
وهذا أو ذاك فى التلقيح قد يكون : من زوج لزوجته . أو من ذكر لأنثى لايربطهما عقد زواج أونكاح .
ولقد عبّر بعض الفقه الإسلامى عن هذا التلقيح الصناعى بكلمة : ( الإستدخال )
فقيل بمشروعية الأول وحرمة الثانى .
يقول الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور فى كتابه " الجنين والأحكام المتعلقة به فى الفقه الإسلامى " :
( ورد فى تحفة الحبيب على الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع قول البجيرمى فى حاشيته :
إن مثل الوطء فى وجوب الإعتداد استدخال المنى المحترم حال خروجه ولو باعتبار الواقع ظاهراً ) .
والمنى المحترم هو المنى الذى يخرج من الزوج ويتم إدخاله إلى زوجته . ( من زوج لزوجته ) .
...
العزل : العزل وسيلة من وسائل منع الحمل . قد يكون بصفة مؤقتة . وقد يكون بصفة دائمة .
وقد يكون من الرجل وقد يكون من المرأة .
ولقد اختلف الفقه الإسلامى بشأنه وبشأن حكمه ما بين : الإباحة . والكراهة . والتحريم :
فالكراهة : إذا كان العزل قاطعاً للذة الزوجة حال وطء الزوج لها ( كما لو تم النزع قرب الإنزال )
أو إن استعمل وسيلة أخرى من هذا القبيل تؤدى إلى عدم المقصود فى كمال الإستمتاع .
والحرمة : إذا كان العزل بصفة دائمة ومانعة من حمل المرأة .
أو إن استعمل ما يقطع الحمل من أصله ولقد قالوا أنه : " ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " .
والإباحة : تكون إذا استعمل حائل يمنع من وصول ماء الرجل إلى الرحم عن طريق عقاقير معينة أو أشياء مستحدثة
بما يبطئه مدة معينة ولا يقطعه .
ولقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر عام 1953 إفتاءً بعدم تحريم استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتاً وأجاب
الشيخ عبد المجيد سليم مفتى الديار المصرية آنذاك بإباحة اتخاذ بعض الوسائل لمنع الحمل منعاً مؤقتاً
وأيده الشيخ محمود شلتوت فى أحد أبحاثه .
كما قرره المؤتمر الإسلامى العام بالقاهرة عام 1966حيث أجاز للفرد بمحض اختياره
أن يتخذ الوسائل التى تؤجل الحمل ولا تمنع أصل صلاحيته .
............
مدة الحمل : قيل أن أقل مدة للحمل هى : ستة أشهر . لقول الله تبارك وتعالى :
( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً ) ولقوله عز وجل : ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ )
فيبقى للحمل ستة أشهر .حيث أن الحمل والفِصال ثلاثون شهراً .
( الفصال أوالفطام عامين أى أربعة وعشرون شهراً . فيبقى للحمل ستة أشهر ) .
وقيل : أن أكثر مدة للحمل هى : تسعة أشهر . وقيل بل : عشرة أشهر .
وعليه :
فإن الوالدات اللاتى يلدن بعد ستة أشهر عليهن أن يستكملن إرضاع أولادهن إلى ثلاثين شهراً أى
يرضعن أولادهن حولين كاملين . وهذا هو تمام فصال الرضيع وفطامه .
والوالدات اللاتى يلدن بعد سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة أشهر فإن الفصال أو الفطام للولد
سينقص عن حولين ( حيث سيكون إما 23 أو 22 أو 21 أو 20 شهراً ) .
وهنا يجب أن تستكمل مدة رضاعتهم إلى حولين كاملين . لقوله تبارك وتعالى :
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )
وهذه المدة هنا أو هنا :
الإلتزام بها ليس حتماً أو قطعاً . لقوله تبارك وتعالى : ( لِمَنْ أَرَادَ ) .
بمعنى : إن أراد الوالدان الأب والأم فطام المولود أو فصاله قبل انتهاء العامين فلا حرج عليهما .
ولكن : بعد التراضى والتشاور بينهما .
وبما يحقق مصلحة المولود . وسواء كانا الزوجان مجتمعين كزوج وزوجة . أو منفصلين .
فإن تراضيا وتشاورا وتوافقا وكان فى ذلك مصلحة ولدهما كانا لهما ما أرادا و مالم يُردا .
يقول جل شأنه :
( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا )
فالإجازة التى أجازها الله للوالدين ( متزوجان أو منفصلان ) فى أن يزِدن أو ينقصن
عن الحولين تقديرها هو : عدم الإضرار بالمولود .
والفطام أو الفصال هو توقف الأم عن رضاعة صبيها وانفصال الولود عن ثدى أمه
أو ثدى مرضعته .
وفى أول الفصال يتم صرف الطفل عن الرضاعة عن طريق وسائل قد تكون خادعة
لكى يتخلص الرضيع من رضاعته وتتمكن الأم من تغذيته .
****
وإن حمل السيدة مريم بسيدنا عيسى عليهما السلام قد وقع على وجه الإعجاز .
ولهذا فإنه يخرج عن الناموس البشرى للحياة ولا يخضع لنظام الأجنّة المعهودة فى الحمل والتناسل .
يقول عز وجل :
( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ )
فحمل السيدة مريم آية ومعجزة من الله . يقول الواحد القهار :
( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )
...
أما ما وقع لزوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام من حمل وإنجاب وهى عجوز .
وبعد أن بلغ سيدنا إبراهيم من الكبر ما بلغ وصار شيخاً كبيراً
( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ )
وما وقع لزوجة سيدنا زكريا عليه السلام من حمل وإنجاب وهى عاقر .
وبعد أن صار سيدنا زكريا شيخاً كبيراً وبلغ من الكبر عِتياً :
(
قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ
وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )

فإن هذا وذاك يجوز أن يقع لمن شاء الله له أن يقع .حتى ولو كان شيخاً أو كهلاً كبيراً .
وحتى لو طال الزمن بزوجته وهى عاقراً أو عقيماً .
يقول من له الخلق والأمر والحكم والقهر :
(
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن
يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً

وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )
*****
وتُزف بشرى المولود ذكراً كان أم أنثى .
وعلى الوالدين تسميته بإسم حسن . ويتم تحنيك فمه ( تدليكه ) . والوليمة عنه ( العقيقة ) .
ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذّن وكبّر فى أذن الحسن بن على
حين ولدته السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنهم .
..
والختان مكرمة للرجال والنساء فوجب عدم تركه للذكر أوالأنثى على حد سواء .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ ) "ختان الرجل وختان الأنثى " .
والتأخير فى الختان أحب وأبعد عن الخطر . ولكن ينبغى عدم المبالغة فى الخفض للأنثى
لأنه أسرى لماء وجهها وأحظى فى الوطء عند زوجها .
........
والأصل أن الوالدة أو الأم هى التى تقوم بإرضاع وليدها .
إلا أن الله سبحانه وتعالى أباح أن يتم إرضاع الطفل من ثدى أم غير ثدى أمه فيما
لو دعت الحاجة إليه ( كما لو ماتت الأم أو لعدم وجود لبن فى ثديها أو لمرضها أو عجزها
أو لعدم قدرتها أو لأى سبب من الأسباب الأخرى ) .
ورضاع الصبى من غير أمه ينبغى أن يتم بالإتفاق والوفاق بعد التشاور والرضا
فيما بين الزوج وزوجته أو فيما بين الزوج ومطلقته أو فيما بين الأم ومن له الولاية على الصبى
وكذلك الأمر فى فصاله أو فطامه .
والمرضعة التى أرضعت الصبى : تعد أمّاً له مثل أمّه . وأولادها إخوته . وزوجها أباً له مثل أبيه .
لأن المرأة إذا ما أرضعت بلبنها مولوداً صار هذا الرضيع كأنه مولوداً وإبناً لها . ولزوجها .
وأبنائهما إخوته .
فيسرى على الرضيع ما يسرى على ولد المرضعة فى الزواج .
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) الصحيحين البخارى ومسلم
..............
والحامل أو المرضع لو أفطرتا فى شهر رمضان ولم يستطع أى منهما احتمال الصيام :
يتم التفرقة بين ما إذا كان الإفطار خوفاً على النفس . أو خوفاً على الولد .
فلو كان إفطار الحامل أو المرضعة دفعاً للمشقة والتعب على نفسها : فعليها القضاء .
أما لو كان الإفطار بسبب الخوف على الولد فعليها : القضاء والفدية .
والفدية وجبت عليها هنا لأنها ممن تطيق الصيام ولكنها خوفاً على ولدها : أفطرت .
يقول تبارك وتعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )
والفدية هى : أن تطعم مسكين واحد عن كل يوم أفطرته .
( وطعام المسكين يقدر بحوالى 750 جراماً أى كيلو إلا ربع من أوسط الطعام التى تقتاته ) .
فإن لم تقض الحامل أو المرضع ماعليها من صيام حتى دخل عليها رمضان آخر فى العام التالى :
فإن كان إفطارها كان خوفاً على نفسها : فعليها بجانب القضاء : فدية .
( زادت الفدية هنا لتأخيرها القضاء حتى دخل عليها رمضان آخر ) .
أما لو كان الإفطار كان مخافة على ولدها فعليها : القضاء وفديتين ( فدية لكونها ممن تطيق .
وفدية التأخير حتى دخل عليها الرمضان الآخر ) .
وهكذا الأمر يزيد عند التأخير فى كل عام .
************************************************** ***