حكم الصلاة خلف الفاسق
ما حكم الصلاة وراء إمام مارسوا عليه اللواط في طفولته وفي شبابه وبرضاه , علما بأنه حسن الصوت ويحفظ القرآن الكريم كاملا ؟.
الحمد لله
أولاً :
إن كان هذا الإمام قد تاب إلى الله تعالى ، وصلح حاله ، فلا حرج
في جعله إماما للمصلين ، والصلاة خلفه ، وليس لأحد أن يعيره أو يعاقبه على ذنب تاب
منه ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )
الزمر/53 . يعني لمن تاب .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب
له ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وإن كان لا يزال على هذا المنكر العظيم ، وجب نصحه ووعظه وتخويفه
بالله ، فإن لم يتب وجب السعي في منعه من الإمامة واستبداله بإمام عدل مستقيم في
دينه ، حريص على خصال التقوى ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بصق في
اتجاه القبلة وهو يصلي ، منعه أن يصلي إماماً بقومه وقال له : ( إنك آذيت الله
ورسوله ) رواه أبو داود (481) ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبو داود
، فكيف بمن يأتي هذا المنكر العظيم ، فإنه أجدر وأحق أن يمنع من
الإمامة !!
ولأن تقديمه للإمامة تعظيم له ، والفاسق ليس أهلاً لهذا التعظيم
.
والإمام يقتدي به الناس في الغالب ويتعلمون منه ، ويقبلون
توجيهاته وإرشاداته ، فكلما كان عدلاً مستقيماً كان أقرب إلى انتفاع الناس به
وقبولهم لكلامه .
وإذا كان فاسقاً لم يقبل الناس منه ، بل ربما يكون سبباً لفتنة
بعضهم ، والعياذ بالله .
ثانياً :
وأما صحة الصلاة خلف الفاسق ، فقد اختلف الأئمة في ذلك ، والذي
ذهب إليه جمهور العلماء : صحة الصلاة خلفه مع كراهيتها .
قال النووي في "المجموع" (4/151) :
" صَلاةُ ابْنِ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ
ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ , وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ
كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالأَئِمَّةِ
الْجَائِرِينَ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : الصَّلاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ
لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً , لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ , وَكَذَا تُكْرَهُ وَرَاءَ
الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ , وَتَصِحُّ , فَإِنْ كَفَرَ
بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ
الْكُفَّارِ , وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ
خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ , فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ " اهـ .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/341 ) :
"فَإِذَا كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ
فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى
الآخَرِ مُتَعَيِّنًا ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَاجِرًا ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ
مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُسُوقِ
، وَالآخَرُ مُؤْمِنًا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى ، فَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى
بِالإِمَامَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ أَقْرَأَ
وَأَعْلَمَ فَإِنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيَ
تَحْرِيمٍ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَنَهْيَ تَنْزِيهٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ . . .
. وَلا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ الْبَرِّ " اهـ .
وقال أيضاً (23/375 ) :
" لا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى فِي الإِمَامَةِ بِالنَّاسِ مَنْ
يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ أَوْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ
إمْكَانِ تَوْلِيَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ . . . .
(و) الأَئِمَّة مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ
الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا : فَقِيلَ لا تَصِحُّ . كَقَوْلِ
مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا . وَقِيلَ : بَلْ تَصِحُّ
كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْهُمَا
وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ " اهـ .
وانظر : " الشرح الممتع " (4/304-308) .
ثالثاً :
ولأهل العلم تفصيل فيما يجب فعله مع الإمام الفاسق ، جاء في
فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي :
( وعلى هذا إن كان إماما لمسجد ولم ينتصح وجب عزله إن تيسر ذلك
ولم تحدث فتنة ، وإلا وجب الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك ،
زجرا له وإنكارا عليه ، إن لم يترتب على ذلك فتنة .
وإن لم تتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه ، تحقيقا
لمصلحة الجماعة .
وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة صُلي وراءه درءا للفتنة
وارتكابا لأخف الضررين ) انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 7/370
.
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب