بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفا ؛ والصلاة والسلام على النبي المصطفى ؛ صاحب الحوض الصافي المصفى
وصاحب الشفاعه يوم الدين ؛ اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد أحبتي في الله .......
في المسند من حديث عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم
" إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره , فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك :
" جف القلم على علم الله تعالى "
وهذا الحديث العظيم أصلٌ من أصول الإيمان وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته والله تعالى
المُوفق وهذا النورالذي ألقاه عليهم سُبحانه وتعالى هو الذي أحياهم وهداهم , فأصابت الفطرة منه حظها فانضاف
نور الوحي على نور الفطرة فهو نور على نور فأشرقت منه القلوب واستنارت به الوجوه وحييت به الأرواح
وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعاً واختياراً ثم دلها ذلك النور إلى نورٍ أعظم منه وأجل وهو نور الصفات العليا
فشاهدته ببصائر الإيمان حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى مُستوياً على عرشه كما أخبر به سبحانه
في كتابه وكما أخبر عنه رسوله الكريم "
يُدبر أمر الممالك ويأمر وينهي ويخلق ويرزق ويُميت ويُحي ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويُقلب الليل والنهار ويُداول
الأيام بين الناس ويُقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد إليه
بالأمر ونازل من عنده به وأوامره ومراسيمه مُتعاقبة على تعاقب الأيات , نافذة بحسب إرادته فما شاء كان ومالم يشأ
لم يكن في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نُقصان ولاتقدم ولاتأخر وأمره وسُلطانه نافذ في
السماوات وأقطارها وفي الأرض وماعليها وماتحتها وفي البحار والجو وفي سائر أجواء العالم وذارته يقلبها ويصرفها
ويَحْدث فيها مايشاء وقد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عددا ووسع كل شيء رحمة وحكمة ووسع سمعه الأصوات
بل يسمع ضجيجها باختلاف لُغاتها على كثرة حاجاتها لايشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولايتبرم بإلحاح ذوي
الحاجات وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء , فالغيب عنده شهادة
والسر عنده علانية يعلم السر وأخفى من السر فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخَطَر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه , وأخفى منه
مالم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا له الخلق والأمر , وله الملك والحمد وله الدنيا والآخرة وله النعمة
والفضل وله الثناءالحسن له الملك كله وله الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله , شملتْ قُدرته كل شيء ووسعت رحمته كل شيء ووسعت
نعمته كل حي
" يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن "يغفر ذنباً ويفرج هماً ويكشف كرباً
ويجبر كسراً ويغني فقيراً ويعلم جاهلاً ويهدي ضالاً , يرشد حيران ويغيث لهفان ويشبع جائعاً ويكسو عارياً ويشفي مريضاً
ويُعافي مُبتلى ويقبل تائباً ويجزي مُحسناً وينصر مظلوماً ويقصم جباراً يقيل عثرة ويستر عورة ويؤمن من روعة ويرفع أقواماً
ويضع آخرين لاينام ولاينبغي له أن ينام يُرْفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل
حجابُه النور لو كُشِفَ لأحرقت سُبُحات وجهه مانتهى إليه بصره من خلقه قلوب العباد ونواصيهم بيده وأزمة الأمور معقودة
بقضائه وقدره الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه لايتعاظمه ذنب فيغفره ولاحاجة يسألها أن يعطيها
لو أن أهل سماواته وأهل أرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم مازاد ذلك في مُلكه شيئاً
ولو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم مانقص ذلك من ملكه شيئاً
ولو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده مداد , فكتبت
بتلك الأقلام وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفذ المداد ولم تنفذ كلمات الخالق تبارك وتعالى , وكيف تُفنى كلماته سبحانه وهي لابداية
لها ولا نهاية والمخلوق له بداية ونهاية فهو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء تبارك الله تعالى أحق من ذُكِر
وأحق من عبد وأحق من حمد وأولى من شكر وأرأف من ملك وأجود من سئل وأعفى من قدر وأكرم من قصد وأعدل من انتقم حِلمه
بعد علمه وعفوه بعد قدرته ومغفرته عن عزته ومنعه عن حكمة وموالاته عن إحسانه ورحمته
هو الملك لاشريك له والفرد فلاند له والغني فلا ظهير له والصمد فلا ولد له ولا صاحبه له والعلي فلا شبيه له كل شيء هالك
إلا وجهه وكل ملك زائل إلا ملكه وكل ظل قالص إلا ظله وكل فضل مُنقطع إلا فضله لن يُطاع إلا بإذنه ورحمته ولن يُعصى
إلا بعلمه وحكمته يُطاع فيشكر ويعصى فيتجاوز ويغفر كل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل حال دون النفوس وأخذ بالنواصي
وسجل الآثار وكتب الآجال فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية والغيب عنده شهادة
اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تعد ولا تحصى
اللهم أجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم ولا تجعل يارب لأحد فيه شيئا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين