(الدرس الثانى)
النشأة والبداية
وجد السحر منذ القدم ، وقد ذكره الله تعالى في قصة موسى مع فرعون، فقال سبحانه: ( قَال َمُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ) يونس:77
وكذا في زمن سليمان -عليه السلام- فقال: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْك ِسُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )... البقرة:102.
ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته -فيما نعلم- تحديد زمن معين ظهر فيه السحر على يد شخصٍ معين، ولكن تبين من الآية السابقة أن الجن هم مصدر السحر، بل ورد في القرآن ما يدل على أن كل رسول بعثه الله إلى قومه اتهموه بالسحر، مما يدل على قِدمه، قال تعالى بعد أن ذكر قصة إبراهيم ولوط، وعاد وثمود، ونوح، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم –وهم قريش- قال لهم: ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلاتَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌأَوْ مَجْنُونٌ ) الذريات: 50 - 52
أي أوصى بعضهم بعضًا بهذه المقالة وهي اتهام الرسول بالسحر أو الجنون أو هما معًا
هل السحر حقيقة !
قال الإمام النووي : "والصحيح أن السحر له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء... " وقال الإمام القرطبي - رحمه الله - : "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة ". وقال الإمام ابن القيم : "وقد دل قوله تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد }( الفلق:4 ) وحديث عائشة رضى الله عنها على تأثير السحر وأن له حقيقة ".
بينما المعتزلة لا يرون أن السحر حقيقة وأنه مجرد خدع وتمويهات وتخييل بعكس مذهب أهل السنة والجماعة .
ماهو السحر :
هو في اللغة "عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه" بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس ، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم ، والكهانة ، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة كما قال عليه الصلاة والسلام :(إن من البيان لسحراً) . فكل شيء له أثر بطريق خفي فهو من السحر.
وأما في الاصطلاح فعرفه بعضهم بأنه : "عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والعقول والأبدان فتسلب العقل ، وتوجد الحب والبغض وتفرق بين المرء وزوجه وتمرض البدن وتسلب تفكيره " .
وجاء فى كتاب الصارم البتار للشيخ وحيد عبد السلام بالى : فى تعريف السحر : هو اتفاق بين ساحر وشيطان على أن يقوم الساحر بفعل بعض المحرمات أو الشركيات فى مقابل مساعدة الشيطان له وطاعته فيما يطلبه منه .
الفرق بين السحر والكهانة والتنجيم والعرافة :
السحر : عبارة عن عزائم ورقى وعقد يعملها السحرة بقصد التأثير على الناس بالقتـل أو الأمراض أو التفريق بين الزوجين وهو كفر وعمل خبيث ومرض اجتماعي شنيع يجب استئصاله وإزالتـه وإراحة المسلمين من شره .
الكهانة : ادعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجن ، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد : وأكثر ما يقع في هذا ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبـار فيظنه الجاهل كشفا ًوكرامة ، وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر بذلك عن الجن ولياً لله وهـو من أولياء الشيطان .
قال البغوي : والعراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضـالة ، وقيل هو الكاهن .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهـم ممن يتكلم في معـرفة الأمور بهذه الطرق .
والتنجيم : هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وهو من أعمال الجاهلية وهو شرك أكبر إذا اعتقد أن النجوم تتصرف في الكون .
أنواع السحر من حيث الاستعانة
تتعدد أنواع السحر بتعدد الاستعانات التي يستعين بها الساحر في تحقيق غرضه، فمن السحرة من يزعم الاستعانة بالكواكب، ومنهم من يستعين بالجن، ومنهم من يستعين بالنفخ في العقد، ومنهم من قصارى أمره خفة اليد وسرعة الحركة،
النوع الأول: السحر الذي يستعان فيه بالكواكب كسحر الكلدانيين وأهل بابل وغيرهم، وهؤلاء كانوا قوماً صابئين يعبدون الكواكب السبعة، ويعتقدون أنها المدبرة للعالم، وأن حوادث العالم كلها من أفعالها،
يقول الشيخ الشنقيطي - رحمه الله – عن سحر الكلدانيين: " ومعلوم أن هذا النوع من السحر كفر بلا خلاف . لأنهم كانوا يتقربون فيه للكواكب كما يتقرب المسلمون إلى الله، ويرجون الخير من قبل الكواكب، ويخافون الشر من قبلها كما يرجو المسلمون ربهم ويخافونه. فهم كفرة يتقربون إلى الكواكب في سحرهم بالكفر البواح
النوع الثاني:الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم شياطين الجن . فإن اتصال بني آدم بهم ممكن، وهذا الاتصال يحصل بشي من الرقى والدخن والتجريد . وعندما يتحقق الاتصال تحصل الاستعانة ثم الإعانة، لكن ذلك لا يكون دون الشرك بالله تعالى.
النوع الثالث: الشعبذة، ومبناها على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بشيء معين دون سواه . فصاحب الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه عمل شيئاً آخر بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا، ولو أنه لم يفعل ما يصرف به أنظار الناس، لتفطنوا لكل ما يفعله . ولا يبعد أن يكون سحر سحرة فرعون من هذا النوع . فهو تخييل وأخذ بالعيون كما دلّ عليه قوله تعالى: { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى }.
النوع الرابع: العقد والنفث فيه – النفخ مع ريق خفيف -، قال تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد }(الفلق: 4 ) والنفاثات في العقد: هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط وينفثن في كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر، وذلك إذا كان المسحور غير حاضر، أما إذا كان حاضراً فينفثن عليه مباشرة. وهذا كله بعد أن تتكيف نفس الساحر بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري. ومن هذا النوع سحر لبيد بن الأعصم اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم .