كيف يصلي الحق على عباده؟
--------------------------------------------------------------------------------
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ
لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً” (الآيات: 41-42).
في هذه الآيات الكريمة يأمر الحق سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالإكثار من ذكر الله تعالى ومن تسبيحه وتحميده وتكبيره، فقال سبحانه:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً”.والمقصود بذكر الله ما يشمل التهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي ترضيه عز وجل.
المواظبة على الطاعة
والتعبير بقوله: “اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً” يشعر بأن من شأن المؤمن الصادق في إيمانه أن يواظب على هذه الطاعة مواظبة تامة.
ومن الأحاديث التي وردت في الحض على الإكثار من ذكر الله ما رواه الإمام احمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من
إعطاء الذهب والورق -أي الفضة- وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم”، قالوا:
وما هو يا رسول الله؟ قال: “ذكر الله”.
وعن عمرو بن قيس قال: سمعت عبد الله بن يسر يقول: جاء اعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما
يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: “من طال عمره وحسن عمله”، وقال الآخر: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد
كثرت علينا، فمرني بأمر أتشبث به، قال: “لا يزال لسانك رطبا بذكر الله”.
وقوله سبحانه: “وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً” أي أكثروا أيها المؤمنون من ذكر الله تعالى في كل أحوالكم ونزهوه عز وجل
عن كل ما لا يليق به، في أول النهار وفي آخره.وتخصيص الأمر بالتسبيح في هذين الوقتين لبيان فضلهما ولمزيد الثواب
فيهما وهذا لا يمنع أن التسبيح في غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله تعالى.
رحمة وبركة
والصلاة المقصودة في قوله عز وجل: “هو الذي يصلي عليكم وملائكته” رحمة الله بعباده، والثناء عليهم، كما أن الصلاة من
الملائكة على الناس معناها: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة.
يقول القرطبي في تفسيره عن سبب نزول قوله تعالى “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ”: لما نزل قول الحق سبحانه:
“إن الله وملائكته يصلون على النبي...” قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء
فأنزل الله هذه الآية، وهذه نعمة من الله عز وجل على هذه الأمة من اكبر النعم ودليل على فضلها على سائر الأمم وقد قال: “كنتم خير امة أخرجت للناس”.
والصلاة من الله على العبد -كما يقول القرطبي- هي رحمته له وبركته لديه، وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم.
وقوله سبحانه: “لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” أي يرحمكم سبحانه برحمته الواسعة، ويسخر ملائكته للدعاء لكم، لكي يخرجوكم بفضله ومنته،'
من ظلمات الضلال والكفر إلى النور والهداية.وكان سبحانه ولا يزال “بالمؤمنين رحيما” رحمة عظيمة واسعة تشمل الدنيا والآخرة.
أما رحمته لهم في الدنيا فمن مظاهرها: هدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، وأما رحمته سبحانه لهم في الآخرة فمن مظاهرها أنهم يأمنون من الفزع الأكبر.
ثم بين عز وجل ما أعده للمؤمنين في الآخرة فقال: “تحيته يوم يلقونه سلام”، وهذه التحية للمؤمنين في الآخرة تشمل تحية الله تعالى لهم.
وتشمل تحية الملائكة لهم كما في قوله تعالى: “والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار”.
كما تشمل تحية بعضهم لبعض كما في قوله عز وجل: “دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين”.
“وأعد لهم أجرا كريما” أي أعد لهم يوم القيامة الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.