إلى من يختصرون التاريخ . إلى من يريدون محو صفحات مضيئة من تاريخ الأمة . إلى الحاقدين على الوطن . إلى من يقومون بتخطي وتزييف وتشويه نضال الشعوب العربية . إلى من يقدمون للعدو خدمات غير مدفوعة الأجر وأحياناً مدفوعة . إليهم أقدم ومضات سريعة على سجل حافل من الكرامة العربية . يعجز التاريخ عن حصره بأكمله أو إحصائه . هذا السجل لشعب دفع ومازال يدفع فاتورة العروبة حتى الآن . أنهم رجال 48 ورجال 56 وهم من ذاقوا طعم المرارة في 67 وأذاقوا العدو الذل والهوان في سنوات حرب الاستنزاف . وهم أبطال العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 73 وهم من كسروا غطرسة وغرور العدو الصهيوني في ( 6 ) ساعات . إليكم أخواني وأخواتي أتقدم بهذه الحلقات وأرجو من الله أن تنال ولو القليل من استحسانكم
=======================================
حرب الاستنزاف
الزمان : 1/7/1967 م – المكان بقعة صغير على خارطة مصر اسمها
( رأس العش ) يحرسا رجال شجعان . عاهدوا الله على إلا يمر عدوهم
من هذه المنطقة إلا وأجسادهم مفروشة على الأرض . يروون أشجار
الزيتون بالدم الساخن الحر . المخلوط برائحة البارود . بطعم تراب
الأرض . السرية رقم ( .... ) رجال يكرهون الاستسلام لا يعرف العدو
لهم سبيلاً . جعلوا من رأس العش بقعة عصية على العدو .هم
الموجودون في هذا المكان . وقف النار ساري علينا . ولكن الصهاينة
يعربدون . فمن المؤكد أنه عرفوا أن الأوامر الصادرة إلينا هي عدم
الاشتباك مهما كان الأمر .
الجندي مجند ( أمين المصري ) المكلف بالمراقبة ينادي على القائد : يا
فندم هناك تحركات للعدو باتجاهنا يافندم .
أمسك القائد بالمنظار الميداني ونظر في اتجاه إشارة الجندي أمين .
وصاح على أمين قائلاً له : العدو قادم بتشكيل هجومي . بلغ السرية
بسرعة يا جندي .
صاح أمين بأعلى صوته : حرس سلااااااااااح .
وبدأ الضابط يصدر أوامره : المساعد عبد الله عليك بقيادة خفيفة الحركة
وتقدم إلى المواقع الأمامية . الهاونات في المؤخرة . ( م د ) في الأمام .
الإشارة تبلغ القيادة من أجل إصدارها الأوامر لأفراد الــ ( م ط )
لحمايتنا من الهجوم الجوي .
وماهي إلا لحظات واشتعل المكان . سطر الأبطال أغرب البطولات . العدو
يهاجم بكل أسلحته والرجال صامدون . يدافعون . يستشهدون .
يتحركون . يوقعون في العدو أفدح الخسائر . زادت خسائر العدو وكلما
زادت زاد إصراره وإرساله لقوات أكثر . وفي المقابل يصرخ القادة
الصهاينة : مستحيل تستعصي علينا رأس العش .
القائد المصري يتحرك من خندق إلى خندق يشد من عزيمة رجاله .
يحثهم على الصمود . على الكرامة . على الشهادة قائلاً : اقطعوا عليهم
طريق العودة يا رجال . فعدوكم خائن . لم يحترم وقف إطلاق النار .
يجب إلا يعودوا لديارهم أيها الرجال .
ازدادت المعركة شراسة . العدو ينتقل من خسارة إلى خسارة . غروره
وهول المفاجأة يقطع عليه طريق العودة .
في الجانب الآخر لم ينقطع الصراخ : المصريون لا ينامون لا يأكلون لا
يشربون ورغم ذلك لا يهدأون .
ولم تجد القيادة الصهيونية بداً من سحب قواتها المهاجمة بعد أن سطر
المصريون على أشلاء قتلى اليهود أعظم الانتصارات .
====================
الزمان : 13 يوليو 1967 . المكان : قناة السويس عند المدخل
الجنوبي للقناة حيث انتقلت الوحدة رقم ( ... ) التي بها الجندي أمين .
زورق مطاطي إسرائيلي بمحرك يجوب القناة بطريقة استفزازية به
الملازم بحري ( فيروفلاكسي أبرام ) والرقيب بحري ( يعقوب
كاهنوني ) . وفي غرب القناة الجندي مجند أمين المصري ينادي على
القائد : يا فندم هناك زورق إسرائيلي على متنه اثنان ويرفع واحد منهم
علم إسرائيلي كبير .... أتعامل معهم يا فندم ؟
رد الضابط : لا يا جندي أمين فنحن في مرحلة وقف إطلاق نار والأوامر
هي أن نتجنب الاشتباكات مع العدو مهما حدث .
الجندي أمين : يافندم وهل هم في ( رأس العش ) قد احترموا وقف
إطلاق النار .
الضابط : أنا لا أعرف ما هي حكايتك معي بالضبط يا أمين ؟ في أي مكان
تتواجد معي فيه تحدث المشاكل سأسميك بعد ذلك ( أمين مشاكل )
الجندي أمين متضاحكاً : يا فندم هذا رزق ويسوقه الله إلينا هل نرفضه ؟
الضابط : نفذ الأمر يا أمين . ستضرني أن أعاملك رسمي يا جندي .
الجندي أمين : يا فندم أنهم على بعد 90 متر فقط دفعة رصاص واحدة
ولن يعلم أحد بما حدث وسيكونان بعدها وجبة شهية للأسماك .
الضابط : أنظر إلى الضفة الشرقية فهناك عربة نصف جنزير (م1أ3)
لحمايتهم فهم ينتظرون الاشتباك ويجاهدون من أجله .
وهنا بدأت تصل لأسماع الضابط المصري وجنوده ضحكات ماجنة
وسباب وشتائم بذيئة من أفراد الزورق جعلت الدم بغلي في عروق
الجنود وهنا لم يدري الجندي أمين إلا وهو يسحب أجزاء بندقيته ونظر
إلى الضابط وقال : أنا لن أترك هؤلاء ( الـ .... ) وأنا مستعد لمحاكمة
عسكرية وحتى لو وصلت للإعدام . بادره الضابط بقوله : إياك أن ....
ولكن قاطعه صوت الرصاص . ارتبك من في الزورق . انبطحا بداخله
ورمى الرقيب العلم إسرائيلي في مياه القناة . ولكن العربة النصف جنزير
بدأت تمطر الضفة الغربية بوابل من الرصاص . قفز الجنود في
الخنادق . وبدءوا في التعامل مع العربة . نادى الضابط : أمين ....
محمود . اتركا سلاحيكما وأحضرا لي هذان الـ (....) أحياء . وفي لمح
البصر قفز أمين ومحمود إلى الماء تحت وابل الرصاص من الجانبين
وكأنهما سمكتان من أسماك الدولفين . وصلا إلى القارب وقاما بقلبه في
الماء وأمسك كل منهما برقبة واحد من الفأران المذعوران وقاما
بسحبهما إلى شرق القناة دون مقاومة وكأنهما يسحبان جوالين بهما
أسماك مرتعشة . عقاباً لصلفهما وغرورهما وتطاولهما البذئ على مصر
وكانت هذه أول حالة أسر من بعد حرب 67.
وحتى يغطي العدو على هزيمته النكراء أشعل الجبهة
أيام 14 – 15 / 7 /1967 م ليحاول التغطية على فشله في احتلال
رأس العش . وأسر الضابط والرقيب الإسرائيليان من مياه القناة ولكن
المصريون . أبناء الأرض . ردوا عليهم الرصاصة دانة مدفعية .
اشتعلت الجبهة بطولها ولكن العدو هو الخاسر أمام إرادة
الرجال .
إلى اللقاء في الحلقة القادمة لنتابع معاً لقطات من حرب الكرامة حرب
الاستنزاف التي لا تكفيها كل كتب العالم