حب الدنيا رأس كل خطيئة
أعلم حفظك الله ان الدنيا دار فناء وزوال فمهما دامت لك وأستقرت فلابد ولا محالة من رحيلها عنك. فهي سريعة الزوال ولو دامت لغيرك ما وصلت اليك.. تجري مجري السحاب.. وتمر مرور المرق.. لا حال لها الا التحول والتقلب فهذه هي سنة الله فيها ورحم الله الإمام حسن البصري يوم قال:
أحلام نوم أو كظل زائل .. ان اللبيب بمثلها لا يخدع
فالعاقل اللبيب حقا هو الذي لا يغتر بها مهما كان لزينتها حائزا ومهما أوتي من النعيم.. لأنه يعلم انه متاع زائل لا محالة ومنقض لا مفر.. روي عن سيدنا عيسي عليه السلام انه كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة. فقال لها: كم تزوجت؟ قالت لا أحصيهم. فقال: فكلهم مات عنك أم كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت! فقال: عيس عليه السلام بؤساً لأزواجك الباقين. كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكينهم واحدا واحدا ولا يكونون منك علي حذر؟!
فهذه حقيقة الدنيا فمثل طالبها كمثل شارب ماء البحر. كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتي يقتله.
وقال سيدنا عيسي عليه السلام: يا معشر الحواريين. أرضوا بدفيء الدنيا مع سلامة الدين. كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا.
فأستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغني الملكوك بدنياهم عن الدين
وروي أيضا عن عيس بن مريم انه قال: "لا تتخذوا الدنيا رباً فتتخذكم عبيداً. اكنزوا كنزكم عند من لا يُضيعه. فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة. وصاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة.. فياأخي.. كن في الدنيا كعابر سبيل فهو اذا ما وصل أو نام أو استراح فهو علي وشك السفر كقطع المسافات والأسفار.. ليكن زادك منها العمل الصالح والتقوي وطاعة الله وحسن المعاشرة والمعاملة مع الناس.. فأعد العدة والزاد للقاء الله تعالي.. وأعلم أن مثلك في الدنيا كمثل ان تشم رائحة طيبة من أريج قارورة ثم ترحل عنها ويأخذها غيرك إلي ان ينتهي الأمر.. حقا.. انها رأس كل خطيئة ومعصية وفي البعد عنها المغنم والكسب الحقيقي وفقنا الله تعالي لطاعته.