بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسّر لي امري
صاحب العمامة الحمراء - عصابة الموت
وبمجرد ان تقول رجلٌ بدريٌّ (أي شهد بدراً) فذٌّ اشتهر بعصابة الموت , يقفز الى لسانك اسمه : انه أبو دجانة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه
انه سِماك بن خَرَشه بن لوذان الأنصاري رضي الله تعالى عنه
انه رضي الله عنه من السباقين للاسلام , انه رجلٌ شهد بدراً وأحدٍ وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت في سبيل الله تعالى , وهو وأول سفير في الاسلام مصعب بن عمير رضي الله عنه كانا من الرجال المعدودين على اصابع اليد من الذين دافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد
أسلم رضي الله عنه مبكراً مع قومه الأنصار، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان رضي الله عنهما
سيرته وشجاعته رضي الله عنه
كان رضي الله عنه من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء، كان يُعرفُ بها في الحرب، فلما كان يوم أحد اختال (أي مشى مشية خُيلاء) بين الصفين ليُغيظ المشركين، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم فأُجبَ به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنّ هذه مشية يبغضها الله عز وجل، إلا في هذا المقام
مواقفه رضي الله عنه
عرض النبي صلى الله عليه وسلم سيفه يوم أحد على الصحابة رضوان الله تعالى عنهم , وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانه رضي الله عنه : وما حقه يا رسول الله ؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني. فقال أبو دجانه رضي الله عنه: أنا آخذه بحقه، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ففلق به هام المشركين، وقال في ذلك شعراً
أنا الذي عاهدني خليـــــــلي .... ونحن بالسفـح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكيول.... أضرب بسيف الله والرسول
ولما انتهت المعركة, رأى رضي الله عنه رجلا يُمثل بجثث الشهداء , فضربه رضي الله عنه ضربة قسمته الى نصفين
وفي رواية أخرى لابن اسحق رحمه الله أنّ النبي صلى الله عليه وسلم آثر أبو دجانة رضي الله عنه في تربيته على الزبير بن العوام رضي الله عنه, وفي هذا يقول الزبير بن العوام رضي الله عنه : عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفا يوم أحد , فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت , فقلت : أنا رسول الله ! فأعرض عني , ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقلت : أنا يا رسول الله ! فأعرض عني , ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة رضي الله عنه فقال : آنا آخذه يا رسول الله بحقه, فما حقه؟ قال: أن لا تقتل به مسلما , ولا تفرّ به عن كافر , قال : فدفعه إليه وكان إذا كان أراد القتال أعلَمَ بعصابة, فلما أخذ أبو دجانة رضي الله عنه السيف من يد النبي صلى الله عليه
وسلم أخرج رضي الله عنه عصابته تلك , فعصبها برأسه فجعل يتبختر بين الصفين - قال ابن إسحاق رحمه الله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن
قال: قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع , قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه و أفراه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن , فيهن إمرأة تقول
نحن بنات طارقٍ نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق و نبسط النمارق
أو تدبروا نفارق فراق غير وامق
قال فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها , ثم كف عنها فلما انكشف له القتال قلت له : كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة لم تضربها قال: إني والله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقتل به امرأة
مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم
عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال : كنت نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي وكان أبو دجانة سماك بن خرشة مُوقياً لظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره حتى امتلأ ظهره سهاما
من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم
قال زيد بن أسلم رضي الله عنه : دُخل على أبي دجانة وهو مريض - وكان وجهه يتهلل - فقيل له : ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني , أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما
ما أحوجنا اليوم الى سلامة قلوبنا نحو بعضنا بعضاً, خاصةً ونحن نمرُّ في محنة عظيمة لا يعلمها الا الله , زمن الفتن التي حذرنا منا النبي صلى الله عليه وسلم مراراً تكرارا حين قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح
يكونُ بين يدي الساعة فتنٌ كقطع الليل المظلم, يُصبحُ الرجلُ مؤمناً ويُمسي كافراً, ويُمسي الرجل مؤمناً ويصبحُ كافراً , يبيعُ أقوام دينهم بعرض من الدنيا.
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم به رضي الله عنه
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما , أنه قال : دخل عليٌّ بسيفه على فاطمة رضي الله عنهما وهي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال لها: خذيه فلقد أحسنتُ به القتال , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت قد أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن سهل بن حنيف وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وأبو دجانة
وروى الامام مسلم رحمه الله في صحيحه: في يوم أحدٍ وثف رضي الله عنه إلى جانب فرسان المسلمين، يستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض عليهم سيفه، قائلا: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ..أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يأخذه بحقه؟، فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين - أي شق رؤوسهم
وأخذ أبو دجانة رضي الله عنه عصابته الحمراء وتعصب بها، فقال الأنصار من قومه رضي الله عنهم : أخرج أبو دجانة عصابة الموت، ثم نزل ساحة المعركة، وهو ينشد
أَنَا الذي عَاهَدَنِي خَلِيـــــلِي ..... وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيــلِ
أَنْ لا أُقِيمَ الدَّهرَ في الكبُولِ ..... أَضــْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ
وأخذ يقتل المشركين، ويفلق رءوسهم بسيف الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بدأ النصر يلوح للمسلمين، فلما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى، ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو دجانه واحداً منهم يدفع السهام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورضي الله عنهم اجمعين وارضاهم
استشهاده رضي الله عنه
وبعدما لمح كتائب المشركين تريد الوصول إليه، تصدى رضي الله عنه لهم بكل ما أوتى من قوة؛ أملا في الحصول على الشهادة, وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ , فواصل جهاده مع خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وشارك في حروب الردة، وكان في مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعى النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة، وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال، فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة، وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة رضي الله عنه صنيعه من تضحية وجهاد لاعلاء كلمة الله عزوجل لتيحقق فيه قول الله عزوجل في سورة البقرة 154
ولا تقولوا لمنْ يُقتلُ في سبيلِ اللهِ أمواتٌ, بلْ أحياءٌ ولكنْ لا تشعرون
وقوله تعالى في سورة آل عمران 169
ولا تحسبنَّ الذينَ قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربّهِمْ يُرزقون
وقوله تعالى في سورة الأحزاب 23
مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليهِ , فمنهمْ مَنْ قضى نحبَهُ ومنهمْ مَنْ ينتظرْ وما بدّلوا تبديلا
وبقول الله تعالى يكون ان شاء الله مسك الختام
فرضي الله عن أبو دجانة وعن صحابته الكرام وصلى الله وسلم وبارك على مَنْ رباهم , وجمعنا الله بهم يوم القيامة, انه وليُّ ذلك والقادرُ عليه