ما أسمى ؟ ..... اسمي ( أمين ) ..... أمين المصري . أعمل في ورشة
( دار إحياء التراث ) بخان الخليلي . ماذا أعمل ؟
أعمل في النقش على النحاس وتطعيمه
بالفضةً . ورثت هذه المهنة عن أبى رحمة الله
عليه الذي كان يعمل بتشكيل الذهب وتطعيمه
بالأحجار الكريمة . أما الآن فقد ندر الذهب
واندثرت الأحجار الكريمة في هذا الزمان . يشهد
لي بعض المترددين على الورشة بالمهارة .
عكس ما أرى أنا ذلك . فهناك الكثيرون أمهر
مني بمئات المرات . كانت تأتي إلينا الزبائن من
كل بقاع العالم . يقفون طويلاً أمام ما تصنعه
أيدينا في دهشة . سألني أحد السياح الفرنسيين
عن سبب مهارتي في نقش النحاس . فهمت ما
يقوله . فأنا لطبيعة المكان أجيد معظم لغات
العالم الحية والميتة كمثال وليس للحصر
أجيد ( اللغة الصعيدية والأسكندرانية وأيضا الفيومي ) . قلت له باللغة
الفيومية التي يفهمها : أنه الحب . فأنا أعشق
قطعة النحاس قبل أن تتشكل . وعندما أبدأ .
تتناولها يداي بكل الحب . أزينها بالعرق الذي
يتساقط من جبيني عليها . بالدم الذي يتدفق
هياماً لها في شراييني . على نغمات دقات قلبي
المشتاق لرؤيتها تزف إلى من تحب . إلى من
يقدرها حق قدرها . كنت سعيداً . أحب الورشة كثيراً أغار عليها من
نسمات الهواء التي تمر عليها . إلى أن حضر
الحاج محمود في صبيحة أحد الأيام وفي صحبته
شخص . أنيق المظهر . يتكلم بأدب جم . ظاهره
الشهامة أما ما خفي فالله أعلم به . قدمه إلينا
قائلاً : هذا هو زميلكم الجديد ( هادي قفل ) .
هو ماهر في صنعتنا هذه . فهو له خبرة كبيرة
وهو مكسب للورشة . فرحنا جداً به . أكرم كل
من في الورشة وفادته . أصبح أكثر من أخ . بدأ
يتحرك في الورشة كالنحلة . يرفع هذه . يضع
هذه . أحدث حركة هائلة في الورشة . فرحنا جداً
فنحن كنا في أشد الحاجة إلى هذا الشخص . كنا
نتابعه بأعيننا بكل الإعجاب . فهو حبوب يقتحم
عليك خلوتك . يداعبك بمعسول الكلام . حتى
لاحظت أنه يتدخل فيما لا يعنيه . قلت لنفسي :
هذا لا يهم . هذا شأن الحاج محمود صاحب
الورشة . نحن مجرد عمال . بدأ يحضر مشغولات
نحاسية مصنوعة بالماكينات . وافقه الحاج
محمود بمبرر تلبية ما يحتاجه السوق من
طلبات . ذاد هو من استجلاب هذه
القطع التي لا تحوي روحاً . الورشة قد امتلأت
منها . بدأت ألاحظ أشخاصاً يتسللون إلى
الورشة بالمشغولات التي تصنعها الآلات . لهم
نفس رائحة هذا القفل . ومن الغريب أني وجدته
يدخل متنكراً بزي البنات . يدخل بدلال يعطي
للحاج ما تصنعه الآلات . سيسألني أحدكم
كيف عرفته ؟ سأقول لكم : في عقل كل منا
منطقة تفرز مادة عطرية . تتسلل تحت الجلد .
تتطاير رائحتها مع حبات العرق كلما قام كل منا
بمجهود . كل منا له رائحة مختلفة كالبصمة .
منها الحلو ومنها المر . من هنا استطعت أن
أميزه حتى لو تنكر في لباس البنت أو حتى
عجوز شمطاء . راجت المصنوعات التي
يحضرها رواجاً زائفاً . فبعض الناس يبحثون عن
الأرخص . وبارت عرائسي التي أصنعها بيداي .
بل فوجئت بأنه أسس ميليشيات داخل الورشة .
( ينهيهم عن الأصيل ويأمرهم بالزيف ) يمنع
مريديه من الاقتراب من المشغولات اليدوية .
يشاهدها يعجب بها يمنع نفسه ومريديه حتى عن
كلمة تقدير . لا يهمني هذا فهو ليس أهلاً لها .
ولكن ما يؤلمني في صدري أننا أصبحنا ورشة
كباقي الورش التي يعج بها الخان . لا لون لنا
ولا طعم . ونواجه طلبات زائدة ورواج زائف .
لن يستمر حتى لأيام . ومن هنا عرفت معنى
أسمه الذي كان يحيرني من قبل . فالاسم الأول
من قبيل التمويه ( هادي ) والاسم الثاني صفته
التي لا يستطيع أن ينكرها ( قفل ) فعقله مقفول
عن كل بديهيات الدنيا فهو يحسب نفسه هو
الأذكى في العالم وهو لا يعرف أنه قد أنكشف
أمره أمام كل العالم