تنعم قريتنا بالجمال .. بالهدوء .. يظللها النخيل الطيب بالحب .
ينتشر بين أرجائها شذي زهور الليمون .. رجالها طيبون وأيضا النساء .
في حبها متفانون . على طرقاتها أشجار الفل والياسمين يزرعون .
حتى أصبحت حديث كل القرى التي حولنا . عنها في سهراتهم يتكلمون .
وجمالها يحسدون . فتياتها وفتيانها ورثوا حب القرية عن الآباء والأجداد .
فالكل يتفانى في مصلحة الآخر . والاحترام متبادل بين الجميع .
حتى حطت هي رحالها في قريتنا ... من هي ؟؟؟ إنها فيروز الجميلة . جاءت من
الشرق أو من الغرب .... لا نعرف . ناعمة الملمس كالحرير .ضحكاتها وردية .
كلماتها لها رنين ذهبي ساحر . اتجهت مباشرة إلى منزل عم (فاروق) . كبير
قريتنا .... هل هذه صدفة ؟؟؟؟ كنا وقتها لا نعرف . أحسن هو وفادتها .
وأسكنها في أجمل منزل في القرية . بدأت تصبح منا في أيام معدودة .
فهي تستأثر بالقلوب بسرعة الصاروخ .
كانت تمشى في طرقات قريتنا بدلال تتمايل على ألحان عبارات
الغزل من شباب القرية .ولم لا وهم يروها تستحسن هذه الكلمات .
تخضع لهم بالقول . تخرج من بين شفتيها عبارات الاستحسان لكل من يغازلها .
وفى بعض الأحيان هي التي كانت تغازلهم . تغيرت القرية .
أصبحت صاخبة على غير العادة الكل يغازل ويتغزل .
أصبح جنون الغرام هو سيد الموقف . ترك الشباب دروسهم أو أعمالهم . تبعوها
كالمسحورين إلى ساحة القرية . يغازلونها وتغازلهم بعد أن خلعت عن وجهها
غطاء الحياء . وجدوا فيها ما لم يجدونه في بنات قريتهم . وجدوا الدلع والدلال .
لم تكتفي بذلك بل فتحت متجرا في قلب القرية .كل بضاعته كلمات الحب الجوفاء
مثل فقاعات الصابون التي كنا نلهوا بها ونحن صغار.. .بضاعتها بلا نقود .
المطلوب أن تدفع ثمنها أيضا كلمات كفقاعات الصابون تتطاير في
الهواء .انتشرت التفاهة في قريتنا المحبوبة ازداد البغض بين الشباب . والغيظ
ينتفخ في قلوب كل بنات القرية . كل هذا وأنا مازلت أتفرج أشاهد ظاهرة مجنونة
أحاول أن أستوعب ما تحدثه هذه الــ ( فيروز ) . التي جاءت الرياح بها إلى
قريتنا من الغرب أو الشرق .... لا نعلم . حتى جاء ذلك اليوم . عندما وجدوا
( عوضين ) أبن الثامنة عشر مقتول عند الساقية المهجورة . تقرير الطبيب
الشرعي يقول أنه قد لدغ وبعدها قد تم عصره . أنتشر الخبر هناك ثعبان وحش
بالقرية . الكل قد خاف . قاموا بلم الأطفال من شوارع القرية . أغلقوا الأبواب
عليهم . فالأطفال صغار الحجم والثعبان الوحش لن يعصرهم بل سيبتلعهم بكل
سهولة . بعدها بثلاثة أيام وجدوا ( رمضان ) وعمره عشرون سنة أيضاً مقتول
عند الساقية المهجورة . نفس التقرير السابق . لدغ ... ثم عصر . ارتبكت
القرية . أصحاب الحقول التي ناحية الساقية تركوها . هجروها . ذبلت الزراعات
فيها . أما عن فيروز فقد حملت على عاتقها أن تسري عن أهل القرية وتطمئنهم .
زادت من حفلات الغزل المعهودة . حتى جاء الدور على ابن الخمسة عشر عام
( إبراهيم ) قد قتل أيضاً . نفس التقرير . رعب يتطاير في القرية . خرج الرجال
ببنادقهم جماعات بعد أن حثتهم فيروز على ذلك . قالت لهم في الساحة : لا تبقوا
هكذا قوموا تحركوا لا تكونوا كالعجزة والمساكين وتبرعت بالخروج معهم . ألهب
هذا الموقف من فيروز حماستهم . لا فائدة ... فالوحش الثعبان لم يظهر . أجتمع
حكماك القرية في دار عم فاروق . يتكلمون . يتباحثون . يتناقشون . يتوقعون .
وأخيراً انفضوا . فحلاً لما يحدث لم يجدون . حتى جاء ذلك اليوم الذي رأيت
النظرات المتبادلة ما بين فيروز وصديقي ( محمد ) نظرات ذات مغذى . تحمل
فيها رغبات وأشواق وهيام . قلت في نفسي : خسارة يا محمد فأنا سرك ورغم
ذلك لم تعلمني مكنونات قلبك . خرجت هي من الساحة منسلة . خرج محمد
ورائها . دب الرعب في قلبي . فمن الممكن أن يخرج عليهم الوحش الثعبان
ويرديهم قتلى . تحسست سلاحي وقررت أن أتبعهم لحمايتهم . هي تسير ومحمد
خلفها . ياااااا خبر أنهما متجهان إلى الساقية المهجورة . وصلا إلى هناك . خففت
فيروز الجميلة بعض من ملابسها . ومحمد واقف كالتمثال مبهور بلقاء جميلة
جميلات الكون . اختبأت حتى لا يلمحوني وأفسد عليهم سعادتهم . ولكن ما هذا
الذي أرى أن فيروز ينتفخ جلدها من ناحية والناحية الأخرى تظهر نتوءات
تتحرك . أنها تنبعك كمن لا عظم لها . ومحمد واقف لا يتحرك . بدأ ينشق جلدها
يخرج منه شيئ ومحمد لا يتحرك . لقد خلعت عنها جلدها البشري وبدأ تنسلخ من
داخلها حية ضخمة قرناء . محمد لا يتحرك وأنا أيضاً لا أتحرك . يا للهول ... أن
فيروز ما هي إلا حية مسحورة أو وحش ... لا أعلم ... لا أعلم . أخذت الحية
تتراقص . تتمايل . ومحمد لا يتحرك ... تتجه إليه وهو أيضاً لا يتحرك . إبتسامة
بريئة على وجهه . أما أنا فقد نسيت الحركة ونسيت الكلمات ونسيت حتى كل
الأصوات . بدأت الحية تلتف حوله . غرست نابيها في جسده . تحقنه بالسم
المعسول وهو أيضاً مبتسماً . سمعت طقطقة عظامه وهي تتكسر . وأخذت تنهش
فيه . ثم بدأت تمتص رحيق شبابه . وأنا لا أقوى على الحركة . حتى الدموع قد
تحجرت في عيناي . رجعت الحية إلى الجلد الذي خلعته . دخلت فيه مرة أخرى
ارتدت ملابسها . حاولت إمساك سلاحي بيميني لكنها قد شلت حاولت بيساري
هي الأخرى أيضاً قد شلت . ألتفتت نحوي . أه .... أنها قد رأتني . أبتسمت
ابتسامة باهتةً صفراء باردة كالموتى . قالت لي : على مايبدو أنك شاهدت وعلمت
بالسر لكنك لن تتكلم . أحمرت عيناها ثم ازرقت . شعاع يخرج من عينيها . يتجه
نحو لساني المتدلي من هول الصدمة . حاولت الكلام لكن لسان قد جف . أصبح
صلباً كالصخرة . تركتني وهي تضحك ضحكات مجنونة كساحرة شمطاء . ثم
اتجهت إلى القرية . لم أعلم كم مر زمن وأنا في هذا الحال . أخيراً استطعت أن
أحرك قدماي . تبعتها إلى القرية . أتلفت عليها . وجدتها في الساحة تتغزل في
الشباب . يتغزلون فيها . وهي تتمايل تتراقص على نغمات الغزل الصادرة من
قلوبهم الولهانة . لاحظت شقيقي الأصغر كريم ينظر لها بكل الشوق . وهي تنظر
له نفس النظرات . حاولت أن أصرخ لكن ..... لا صوت . حاولت أن أشير لهم
لكن ..... لا حركة . خرجت منسلة من بين الجمع ... تبعها كريم . قررت أن
أجري ورائهما لتأخذني بدلاً منه . نفس النظرات الزراقاء اتجهت إلى قدماي .
تيبست في الأرض قدماي. وهي تسير وأخي كريم يمشي ورائها مبتسماً .
خبر عاجل
وافانا مراسلنا من أرض الله لخلق الله بأن قوات الأمن تحاصر قصر العرب للقبض على المواطن عاشق النخيل لأنه مطلوب ( حياً أو متزوجاً ) وذلك لمحاكمته ثم ترحيله إلى معتقل جونتنامو لتطاوله على شخصية ( خيالية سيادية ) ووزارة الباهلية تهيب بالسادة سكان القصر بتسليم المواطن المطلوب في حالة التمكن منه وقد رصدت الوزارة جوائز قيمة ( علبة عصير فارغة - طابع بريد مستعمل – رباط كوتشي قديم ) لمن يقبض عليه أو يدلي معلومات تفيد القبض عليه . نلتقي بحضراتكم بعد الفاصل .
خسارة التعليق
أيمن عبد القوى الأعلامى