( حواديت يا أولاد . قربوا يا بنات . ومعي الحكايات . على كل الألوان ) ... كانت
هذه كلماته التي يرددها دائماً عندما يصل إلى الحي الذي نسكن فيه . فهو
مجذوب . لا يعرف أحد أين يسكن . هل في المقابر ؟ والبعض يؤكد أنه يسكن في
جحور الذئاب . وشطح البعض بأن ( فتحي المجذوب ) من أهل الخطوة . يبيت
في الحجاز وفي الصباح يأتي جرياً على الماء . وأحياناً يركب الرياح . كل هذا لا
يهم المهم أنه قد وصل بعد غياب قد طال . فنحن نحب حكاياته . وكالعادة جلس
أمام باب منزل ( أم محمد نجفة ) فهي دائماً تكرم وفادته . تعطيه الخبز والماء
ليشرب وأحياناً تعطيه صاعاً من التمر . يجلس . نلتف حوله نحن الأطفال ومعنا
بعض النسوة . يفتح جواله الذي دائماً معه . يخرج منه قطع الأحجار . يقلبها
واحداً تلو الآخر وكأنه يقرأ كلمات مكتوبة عليها . ويقول : هذه حكاية الزناتي
خليفة . وهذه الزير سالم . وتلك حكاية حسن ونعيمة . وهذه عبلة وعنتر .
وأثناء ذلك أمسك بواحد من أحجاره باهتمام مطلق . قال هذه حكاية جديدة وهي
هدية مني لكم . وبدأ يسردها بطريقته المعروفة . عن قصة شاب يهوى أمرأة
مطلقة . الكل مشدود لحكايته وأنا أولهم . إلا واحدة . هي ( أم محمد نجفة ) .
أرتبكت . أنفعلت . الشرر يتطاير من عينيها . قالت له فجأة : أذهب . وقف الآن
عن سردك . بهذه الأمور أبداً لا تمزح . لم يفهم ( فتحي ) كلامها أو ماذا تقصد
جمع أحجاره في جواله بسرعة . وذهب منذ شهور وحتى الآن لم يرجع .
ذهب إلى أين . كلنا الأطفال نسأل . فنحن مشتاقون لحكاياته . ترددت الإشاعات .
من قال أن الجان قد أختطفه . ومن قال ماتت الحكايات في حلقه . والبعض قال أن
جوال حكاياته قد فقد منه . هذا كله و ( أم محمد نجفة ) لم تسكت . دارت على كل
منازل الحي تتهمة بأنه يهواها . فهوا الشاب ويقصدني أنا . فأنتم تعلمون أني منذ
سنوات مطلقة . فهي لم تترك أحداً في الحي إلا وكانت تحكي له حكاية غرام فتحي
لها . أليست هي مطلقة . وهو حكى حكاية غرام الشاب والمطلقة . إذن هو الشاب
وأنا المطلقة . أصبحت تتكلم كثيراً . فقد غاب عنا فتحي . وملأت فراغه ( أم
محمد نجفة ) ولكن هي حكايتها واحدة لا تتغير . وفي أحدى المرات . وهى تحكي
حكايتها مع فتحي . رد عليها عم (عبده البقال ) وقال لها : يا ( أم محمد ) . أنها
مجرد حكايات . فهو يهوى الحكاوي . يؤلفا من عقله . أنه مثل الشعراء . قالت
له : لا .. أنه يقصدني . رد عليها ( عم عبده ) : أنه عندما حكى الحكاية كان لا
يفهم .... أما الآن فقد فهم ما دار في رأسك بدليل أنه منذ هذا اليوم لم يرجع ...
ولن يرجع . وسمعت أنا هذا الحوار الدائر ما بين ( عم عبده ) و ( أم محمد
نجفة ) . وعندها فقط فهمت ما قد حدث . بكيت بحرقة على ( فتحي )
وصرخت في وجهها . إني أكرهك يا ( أم محمد ) .
أيمن عبد القوى الأعلامى