مقدمة
هي قصة دارت أحداثها على شاطئ بحيرة (...) يتناقلها الناس في
مدينتي من قبيل التندر بها في مجالسهم في الليالي الصيفية . وقد جلست مع بعض
أخوة لي من دولة شقيقة في موقع أحداث القصة وأثناء جلوسي معهم تذكرت
أحداث القصة فخشيت أن أحكيها لهم أثناء الجلسة حتى لا تتعالى ضحكاتهم
وتعليقاتهم في أثناء وجود صاحب المكان ( الضحية ) فهذه القصة قد سببت له
حساسية مفرطة ومن الممكن أن يحدث جدل أو مشكلة نحن بغنى عنها . ولذلك
قررت أن أحكيها لهم في طريق العودة ولكن نسيت فقررت أن أحكيها لكم أخواني
أخواتي الكرام . حتى لا يشتري أحدكم نفس القرد مرة أخرى . وقد قمت بالتغيير
في الأسماء وبعض من الحوار .
=======================
المكان : مطعم من أشهر مطاعم الأسماك على ضفاف البحيرة وتحديداً في
قرية الصيادين . الزمان : يوم من أيام الصيف الساخن . المنظر العام : حالة هدوء
تعم المكان فالوقت الآن في الظهيرة . عمال المطعم يتحركون كالنحل برغم مظاهر
الإرهاق والكسل التي تلمحها للحظات في أعينهم والتي يحاولون إخفائها
بابتسامات الترحيب الزائفة . يلبون طلبات الرواد القليلون المتواجدون في مثل هذه
الساعة من النهار . عم حمودة صاحب المطعم يجلس على إحدى الطاولات المنعزلة
ويتابع عن بعد تحركات العمال ويحاول جاهداً أن يتسمع لأراء الزبائن في وجبات
الأسماك التي تقدم لهم وتعليقاتهم لبعضهم البعض عليها . شد انتباه عم حمودة
أحدى الطاولات التي يجلس حولها مجموعة على ما يبدو أنهم من القاهرة .
سيدة أنيقة جداً بصحبة أربعة رجال يبدو عليهم أنهم من رجال الأعمال .
تعالت أصواتهم في نقاش حاد بعض الشيء .
قالت السيدة : ليس من المعقول يا حسن باشا بأن الموضوع سيتوقف على مجرد
( قرد ) . فرد عليها أحدهم قائلاً : يا ثريا هانم أنت قد شاهدتي بنفسك الموقع
والرموز التي وصفتها الخريطة الموجودة في البردية بالضبط .
قال آخر : أنا بصفتي خبير آثار قد تأكدت بأن الكنز موجود في هذا الموقع ولكن لو
حفرنا بطريقة تقليدية سنلفت أنظار الجميع إلينا بما فيهم شرطة الآثار .
فقالت السيدة : عموماً أبحثوا عن حل آخر لأن طلب الشيخ شعبان هذا صعب التنفيذ
فهذا النوع من القرود نادر واستيراده من أفريقيا سيثير الشكوك .
فرد عليها أحدهم : لن يتمكن أحداً من فتح المقبرة الفرعونية إلا بذبح هذا القرد
لأن الفراعنة قد رصدوا لحراستها عفريت شرس جداً ولن يرضيه إلا أن
يشرب دماء هذا النوع من القرود بالذات وعندها سينفذ أوامر الشيخ شعبان .
كان عم حمودة في هذه الأثناء يتابع الحديث بفضول شديد فهو على علم بأن هذه
المنطقة مليئة بالآثار . فأنتقل إلى طاولتهم قائلاً : معذرة يا ست هانم .
فأنا قد سمعت حديثكم دون قصد . وهنا حدث حالة ارتباك بينهم وهموا بترك
المكان ولكنه بادرهم قائلاً : يا ست هانم لا تخشي شيئاً فأنا أريد أن أقدم لكم
خدماتي . قولي لي مواصفات هذا القرد وأنا سأحاول أن أجده لكم حتى ولو كان
تحت ذيل سمكة في أعماق البحيرة .
نظرت له السيدة بتوجس وريبة وقالت : ولكن هذا القرد نوع نادر يا حاج ......
قال لها عم حمودة مهوناً للأمور : إسمي حمودة وصاحب هذا المطعم ولا تشغلين
بالك يا ست هانم فلا شيء يستعصى على حمودة . ولكن قولي لي على أوصافه
وثمنه وإن شاء الله سيكون عندك في خلال أسبوع .
السيدة موجهة كلامها لعم حمودة : أراك واثق في كلامك جداً . عموماً ليتك تعثر
عليه . وسيكون لك مني مقابل ضخم جداً لا تحلم به . وأشارت إلى السيارة
المرسيدس الحديثة الموجودة خارج المطعم وقالت له : هديتك ستكون واحدة مثل
هذه على الـ ( زيرو ) . وهنا لمعت عينان عم حمودة وقال لها متعجلاً : قولي لي
الأوصاف وبإذن الله سيكون عندك القرد ابن القرد هذا . وبدأت تصف له القرد
المطلوب . صغير الحجم في حدود ( 40 ) سم . لونه أبيض . حول عيناه هالات
عسلية اللون . وعلى ظهره بالطول شريط بنفس لون عيناه . ولو وجدته أنا
سأشتريه حتى لو وصل ثمنه مائة ألف جنيه . ومدت يدها وأخرجت كارت
به أرقام تليفوناتها ورزمة من النقود وأعطتهما إليه وقالت له : معك عشرة آلاف
جنيه وأرقام تليفوناتي وليتك تجده . سأمر عليك بعد خمسة عشر يوماً ولا تتصل
بي قبل هذا الموعد إلا إذا اشتريته بالفعل .
أخذ عم حمودة النقود وهو في حالة ذهول من هذه السيدة التي تعطي له هذه النقود
بلا ضمانات . وأنصرف الجميع وهذا بعد أن رفض عم حمودة يأخذ حساب وجبة
الأسماك التي قدمت لهم . فكيف يأخذ منهم الحساب وبينهم هذه الثقة والمعاملات
المادية . مر أسبوع والسيدة لم تتصل عليه وهو لم يجد القرد . سأل عنه في حديقة
الحيوانات ولم يجد قرد بهذه المواصفات . وذهب إلى الأماكن التي يسكنها مربي
القرود فلم يجد حتى جاء اليوم الثاني عشر وقد أضناه التعب . فهذه الصفقة ستطير
منه . وأثناء جلوسه في المطعم مهموماً رأى مشهداً جعله يتسمر في مكانه . أحدى
الفتيات الأرستقراطيات تدخل المطعم ويمشي ورائها السائق الخاص بها وهو يحمل
قفص حديدي مصنوع بدقة متناهية وبه قرد له نفس المواصفات . وما إن جلست
حتى هجم على الطاولة التي جلست عليها وسحب مقعد وجلس . وقال لها : صباح
الخير يا ست هانم . نورت المطعم أنا صاحب هذا المكان وأنا في خدمتك . ارتبكت
الفتاة من هذا الهجوم الغريب وقالت له : هل من عاداتك أن تجلس هكذا مع الزبائن
بدون إذن ؟ . قال لها : لا أبداً يا ست هانم ولكن لفت نظري هذا القرد . فما طوله ؟
ردت الفتاة بتوجس وقرف واضح. وقالت له ( 40 ) سم .
واستكملت كلامها بتهكم : لماذا ... هل عندك عروسه له ؟
ونظرت إلى القرد وأخذت تلاطفه وتتهكم على عم حمودة قائلة : هنيئاً لك يا سوسو
فهذا الرجل على ما يبدو عنده بنت في سن الزواج .
قال لها عم حمودة معاتباً : الله يسامحك يا ست هانم . ولكن أنا أريد أن أشتريه منك
. فردت عليه الفتاة بانفعال شديد وقالت له : هل أنت مجنون ؟ أنا أبيع سوسو ؟
هل تعرف من أنا ؟ . أنا بإمكاني أن أشتريك أنت والمطعم والبحيرة وكل هذه
القرية أيها المجنون .
فقال لها عم حمودة منكسراً : الله يسامحك يا ست هانم ولكنك لو علمت مشكلتي
لعذرتيني في طلبي هذا . فأنا عندي ولد في الجامعة وحدث له مرض صعب الشفاء
منه وذهبت به لكل أطباء مصر ولم يفلحوا في علاجه فهو الآن حالته تسوء يوماً
بعد يوم وأصبح طريح الفراش ولا يقوى على الكلام حتى جاء طبيب أجنبي
وعرضته عليه فقال أنه لن يتمكن من الشفاء إلا بمادة ( السيتوكميزما ) ومصانع
الدواء لم تنتج هذه المادة تجارياً بعد . وهذه المادة موجودة في ( بول ) هذا النوع
من القرود . أرجوك يا ست هانم أرحمي شباب هذا الولد فعلاجه سيأخذ سنوات .
وهنا هربت دمعة أسى وحزن من عيناي الفتاة الرقيقة وقالت لعم حمودة : ولكن يا
عمو . سوسو عزيز عليا جداً . إنه هدية من بابا عندما كان سفيراً في مدغشقر
والآن هو في السويد ومن الصعب أن أحصل على واحداً آخر .
ولكنها رضخت في النهاية لدموع الرجل وأخبرته بأن ثمنه مائة ألف جنيه . ولكن
تحت استعطافه لها قبلت منه سبعون ألف جنيهاً وبعدها شهد الحاضرون أصعب
لحظات الوداع ما بين الفتاة والقرد وتركته واستقلت السيارة وهي تنظر إليه وتبكي
بحرارة وألم . وعندما غادرت المكان فرح عم حمودة جداً فهو سيبيعه للسيدة ثريا
بمائة ألف جنيه قد وصله منها عشرة آلاف أي له في ذمتها تسعون ألف علاوة
على العربة المرسيدس الهدية . جرى إلى الهاتف مهرولاً ليتصل بالسيدة ثريا
ويبشرها بالخبر السعيد . أخرج الكارت الذي تركته له . وطلب أول رقم ولكنه سمع
رسالة غريبة وهي ( هذا الرقم غير موجود بالخدمة . من فضلك أعد المحاولة
وأدخل الرقم الصحيح . هذه رسالة مسجلة ) . قام بطلب الرقم التالي ولكنه نفس
النتيجة . والثالث .... أيضاً نفس الرسالة المسجلة . وهنا سقط عم حمودة على
الأرض . فقد تيقن بأنه قد وقع ضحية عصابة للنصب وقد أخذوا منه ستون ألف
جنيه . ومن يومها وأصبح أسمه بين الناس ( حمودة القرد ) وأصبح يمتلك أشهر
سلسلة مطاعم ريفية على شاطئ البحيرة . وأصبحت مطاعم عم حمودة مزاراً
لكل من يريد أن يشاهد الرجل الذي أشترى القرد . ورب ضارة نافعة .
========================
وعلى السادة المقيمين خارجها عدم شراء القرود
حموده القرد
2008-07-11, 03:06
