محمود أفندي اسم لن أنساه . طيلة حياتي فهو كان طيب القلب . مثقف
وكان هو من القلائل في قريتنا الذي يفرض احترامه علي كل الناس في
القرية فهو يعمل في المدينة . ويذهب إلي العاصمة ليحضر درجة
الدكتوراه . هم كانوا يقولون في مجالسهم هذا . كنت صغيراً لا أدرك
معني كلمة دكتوراه . وكنت أحسبه سيصبح طبيباً . تشتهر قريتي
بالنخيل الطيب يحنو علينا بأطيب الثمرات والتمرات . في أحد الأيام كما
علمت من أبي أن محمود أفندي قرر زراعة شجرة مانجو في قريتنا عند
الساقية التي تروي الأرض منذ ألاف السنوات . فرحت كل القرية أحضر
محمود أفندي الشتلة معه من العاصمة . قوبل من أهل القرية في
ذلك اليوم بالزغاريت والأفراح .
فمن منا لا يحب المانجو . ولكن التجار
يبيعونها غالية الثمن لا يقدر عليها إلا القادر . تم زراعتها عند الساقية
في قريتنا في احتفالية لن أنساها . الكل شارك فيها . فالكل يشتاق إلي
المانجو . وكنت أنا وكل أطفال القرية نذهب إليها يومياً بالماء . نجلس
أمامها بالساعات . نراقبها . نأمل أن نشاهدها وهي تنمو . نستعجلها
لتطرح لنا المانجو . نحلم معاً . أصبحت حديث الكبار . وأحلام الصغار .
بدأت تنمو . ونحن نحلم ونكبر معها . حتي صرنا شباباً . وأصبحت هي
عروس القرية . أمل القرية . حلم كل من في القرية . وسمعنا أنها
ستثمر في هذا الصيف . تناوبنا نحن شباب القرية حراستها . فقد أزهرت
الشجرة . يا للفرحة . ستطرح المانجو . سنتفاخر بها علي كل سكان
القري التي حولنا . فهم ليس بينهم محمود أفندي ليزرع لهم شجرة
مثلها . ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان . خاف التجار . ذهبوا إلي
محمود أفندي . ساوموه علي الشجرة . رفض . هددوه . رفض أيضاً .
بدأوا بالتأمر عليه . أشعلوا النار في داره . هرول كل من في القرية
وشاركوا في الإطفاء . أغرقوا حقله بالماء . وقفت كل القرية بجانبه
حرثوا الأرض وبذروا البذور عوضاً عما أتلفه التجار الجشعين . هددوا
بحرق كل القرية . لكن كل شاب في القرية عين نفسه حارساً أمينا علي
القرية وعلي الشجرة حلم كل من في القرية . وفي صباح أحد الأيام
فوجئناً بمحمود أفندي يحمل فأساً كمن يهرب من شئ . توجه إلي
الشجرة أقصد الحلم الأبدي لكل القرية . يرفع فأسه . الكل أحاط
بالشجرة . قالو في صوت واحد : لا تدمر الحلم . فهي ليست ملك لك
وحدك . فأنت دون أن تدري جعلتها حلم كل القرية . هذا الحلم لكل فرد
فينا . قارب أن يتحقق . فإذا أردت أن تقطعها . فعليك أولا أن يمر علينا
الفأس . حتي لا نراها وهي تقطع .
خبر عاجل
وافانا مراسلنا من قرية النخيل والسواقي بأن بعض التجار تقدموا بشكوي إلي الجهات المسؤلة بالأقليم بأن أهالي هذه القرية قاموا بزراعة شجرة مثمرة في أرض مملوكة للدولة مما أدي إلي تحرك الأجهزة المعنية لقطع الشجرة ولكنهم واجهوا مقاومة من أهل القرية . مما أستدعي استنفار قوات الشرطة التي حاولت تنفيذ الأمر ولكن حدث صدام بينها وبين أهالي القرية . وتدخل أعضاء المجلس (سيد قراره) وفشلوا أيضاً . وقد قام (السيد الدكتور الأستاذ اللواء ) حاكم الإقليم بزيارة ميدانية للقرية وقرر أن يبقي الحال علي ماهو عليه وعلي المتضرر اللجوء للقضاء وتعيين محمود أفندي حارساً قضائياً عليها . وعندما سألناه علي هذا القرار قال : يا جماعة إحنا داخلين علي موسم انتخابات ومش عايزين بلبلة ...... نلتقي
بحضراتكم بعد الفاصل
أيمن عبد القوى الأعلامى